من يُمسكون بزمام الصراع إن كان على الجانب العربي أم الجانب الإسرائيلي هُم الذين يتشاركون نظرتهم لمستقبل المنطقة. الرموز تختصر الكثير من الكلام، والتحليلات و تعطينا فكرة واضحة عمّا قد يؤول اليه الصراع الفلسطيني (والعربي؟)- الإسرائيلي في العقدين القادمين.
صور الأطفال الإسرائيليون الذين يلعبون بالسلاح ويصرّحون عن حقدهم تجاه الفلسطينيين والعرب، وأيضاً صور أطفالنا الذين يحملون السلاح في المظاهرات ويتحدثون عن محاربة إسرائيل أصبحت جزءً من بصريّات الصراع الذي شارف على نهاية عقده السادس.
الصراع لم يتقدّم خطوة واحدة تجاه حل نهائي بعد. فقد دخل في تجاذب دائم، خصوصاً بعد انتصار الإنتفاضة اللاعنفيّة الأولى، وحصول الشعب الفلسطيني على اعتراف اسرائيلي وعالمي بوجوده، وبحقه بإقامة دولة خاصة به. ولكن بعد ذلك، دخل الصراع في ستاتيكو حافظ على جوهره، ولو أنّ بعض ملامحه قد تغيّرت بفعل الزمن.
لماذا يبدو بأنّ لا نهاية لهذا الصراع؟
الطرحان الإسلامي والإسرائيلي
مع انحسار اليسار العربي، والفلسطيني خاصة، وانهزامه أمام الإسلاميين، الذين سيطروا على مجرى الأمور في العقود الثلاثة الأخيرة، تجمّد الصراع أكثر، وفي أماكن كثيرة تراجع. هكذا دفن طرح الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين والقائم على إقامة دولة ديمقراطية علمانية يقطنها اليهود والفلسطينيون، وحل مكانه الطرح الإسلامي الذي يقوم على”رمي اليهود في البحر”. وهو يشبه لحد بعيد الطرح الصهيوني الذي يقوم على “رمي الفلسطينيين خارج أرضهم”.
الفرق بين طرح الجبهة الشعبيّة والطرح الإسلامي، أنّ طرح الجبهة قام على قراءة إنسانيّة – واقعيّة للصراع، وما أفرزه من تحوّلات ديمغرافيّة داخل فلسطين، خصوصاً مع قدوم ملايين اليهود، وعدم إمكانيّة عودتهم للبلدان التي قدموا منها، وفي الآن عينه، يحفظ الطرح حقوق جميع السكّان بالتساوي في الحقوق والواجبات.
بينما الطرح الإسلامي فهو يقوم على الجمود، واللاواقعيّة في التعامل مع الصراع. فهو يُعيد الصراع إلى أكثر من الف عام إلى الوراء. فصل القضيّة الفلسطينيّة عن الواقع، وأحالها إلى الأسطورة الدينيّة. كما أنّ هذا الطرح اختصر فلسطين بالمسجد الأقصى، وهذا ما زاد من تحجيم قضيّة الشعب الفلسطيني، إن كان على الصعيد الفلسطيني- العربي، إذ أخرج كل من ليس إسلاميّاً من دائرة الصراع، خصوصاً وأنّ حركات المقاومة الإسلاميّة المسلّحة (حزب الله وحماس نموذجاً) اقتصرت على الإسلاميين. وهذا أيضاً أثّر على التضامن العالمي مع قضيّة فلسطين، خصوصاً وأنّه اصبح ينظر إليها على أنّها قضيّة دينيّة، ذات بُعد عنفي، ويمثّلها الإسلام السياسي فقط.
هذا الطرح رفض التعاطي مع الصراع كمتحوّل. نظر إليه وكأنّه معدن صلب لا يتغيّر. تقاطع هذا الطرح مع الطرح الصهيوني متابعة القراءة “الصراع على فلسطين: دوّامة عنف أم رؤية بديلة”