في ذلك المساء، لم تأتي بائعة الهوى لتقرأ لي من “أثر الفراشة” لمحمود درويش. تأخرت عن موعدها، وربما لم أتصل بها في الأساس. كل ما اردته لذلك المساء هو بعض من السكينة والاسترخاء على كنبة لا أعرف عنها الكثير، أو ربما الموت بسلام في قلب الجبل.
ولكنها لم تأتي في ذلك الليل الطويل.
***
الكثير من الكحول لا يؤرق القلب، بل يأخذه إلى زوايا فيها بعض من العتمة والموسيقى الإنسيابية. الشمس غابت وراء الغيوم البعيدة، وبقي كأس العرق الأبيض يُضيء سكون الغرفة المترامية الأطراف.
الضوء في زاوية الغرفة يتمدد في السقف وعلى الطاولة. لا أحد يستطيع إيقافه في هذه اللحظة. هو الإله، النبع والملجأ.
على الكنبة، تاريخ يُكتب ويُعاد. خارج هذا الحيز، لا شيء مثير أو يدعو للإثارة. كل ما في الأمر أنّ هذا العالم فقد وهجه وإثارته، وأصبح رهن الروتين الممل. أنه لأمر مثير للشفقة أن هذا العالم فقد قدرته على أن يكون مصدر الهام. أصبح مصدراً للأرق.
***
عند الصباح، خطرت في بالي بائعة الهوى. هل فعلاً اتت عند المساء وقرأت مقاطع من “أثر الفراشة” أم انها كانت مجرد سراب. لا فرق طالما أنّ الصداع يترافق مع بهجة غريبة تعبر الجمجمة.
كأس عرق. كأسان. ثلاثة. لم أعد قادراً على العد. لا يهم. مازلت قادراً على لف سيجارتي بالتبغ المستورد. وهذا يكفيني في هذه اللحظة.
***
هل نحن راحلون؟
بعد ساعة ربما. ساعتان. أم ربما سنوات. في النهاية، سنرحل إلى مكان ما. قد يكون قريباً أم بعيداً. ولكن هذا لن يعني شيئاً.
سنرحل.
يوماً ما، سنستيقظ ولن نكون هنا. سنكون في مكان ما. سنكون على شكل صورة من الماضي، أو على شكل أشباح مهاجرة.
نحن الأشباح المهاجرة والراحلة.
***
على صفحة بيضاء، كالعرق المسكوب في القدح الصغير، أكتب متابعة القراءة “كحول”