هل وصلنا إلى خط النهاية؟

هنيبعل نعيم

ويتدحرج العالم باتجاه القاع الذي لا نهاية له. هذا ما انتظرناه طويلاً. كل شيء يتداخل ببعضه البعض، بين الكوارث الطبيعية التي تجرف كل شيء في طريقها، والكوارث التي انتجناها بيدينا، والتي ترمينا في فضاء من الفوضى والأزمات النفسيّة.

نحن عالقون في شكل هندسي متوازي الأضلاع. لا يمكننا الصعود إلى الأعلى، ولا الخروج من النافذة التي أغلقناها بسواتر حديديّة، ولا حتى يُمكننا النفاذ من الباب الخلفي الموصد بمفاهيم ذهنيّة لا طائل لها.

متابعة القراءة “هل وصلنا إلى خط النهاية؟”

الأماكن وتناقضاتها

image (1).jpg
على ضفة نهر ميكونغ

ذلك الصباح كان كأي صباح آخر، ولكن ليس تحديداً كأي صباح آخر.

النهر الذي يفصل التلال عن بعضها يتدفق ببطىء يشبه بطء الوقت هنا. وهذا ما أردت أن أشعر به منذ سنوات طويلة. المطر الذي انهمر لساعات عند الفجر لم يجف بعد. أما الشمس فهي مختفية وراء كتل من الغيوم.

استيقظت على صوت تراتيل الرهبان القادم من التلة المقابلة على الضفة الاخرى من نهر ميكونغ. من بلاد اخرى، من لاوس.

***

هذا الصباح أوحى لي بظهيرة قضيناها أنا وصديقي طوني على ضفة نهر الدانوب في مدينة فيدين البلغارية. كل شيء يتشابه. النهر المتدفق ببطىء. كتل الغيوم التي حجبت متابعة القراءة “الأماكن وتناقضاتها”

كحول

13346624_10154195734622768_8448885268540228356_n

في ذلك المساء، لم تأتي بائعة الهوى لتقرأ لي من “أثر الفراشة” لمحمود درويش. تأخرت عن موعدها، وربما لم أتصل بها في الأساس. كل ما اردته لذلك المساء هو بعض من السكينة والاسترخاء على كنبة لا أعرف عنها الكثير، أو ربما الموت بسلام في قلب الجبل.

ولكنها لم تأتي في ذلك الليل الطويل.

***

الكثير من الكحول لا يؤرق القلب، بل يأخذه إلى زوايا فيها بعض من العتمة والموسيقى الإنسيابية. الشمس غابت وراء الغيوم البعيدة، وبقي كأس العرق الأبيض يُضيء سكون الغرفة المترامية الأطراف.

الضوء في زاوية الغرفة يتمدد في السقف وعلى الطاولة. لا أحد يستطيع إيقافه في هذه اللحظة. هو الإله، النبع والملجأ.

على الكنبة، تاريخ يُكتب ويُعاد. خارج هذا الحيز، لا شيء مثير أو يدعو للإثارة. كل ما في الأمر أنّ هذا العالم فقد وهجه وإثارته، وأصبح رهن الروتين الممل. أنه لأمر مثير للشفقة أن هذا العالم فقد قدرته على أن يكون مصدر الهام. أصبح مصدراً للأرق.

***

عند الصباح، خطرت في بالي بائعة الهوى. هل فعلاً اتت عند المساء وقرأت مقاطع من “أثر الفراشة” أم انها كانت مجرد سراب. لا فرق طالما أنّ الصداع يترافق مع بهجة غريبة تعبر الجمجمة.

كأس عرق. كأسان. ثلاثة. لم أعد قادراً على العد. لا يهم. مازلت قادراً على لف سيجارتي بالتبغ المستورد. وهذا يكفيني في هذه اللحظة.

***

هل نحن راحلون؟

بعد ساعة ربما. ساعتان. أم ربما سنوات. في النهاية، سنرحل إلى مكان ما. قد يكون قريباً أم بعيداً. ولكن هذا لن يعني شيئاً.

سنرحل.

يوماً ما، سنستيقظ ولن نكون هنا. سنكون في مكان ما. سنكون على شكل صورة من الماضي، أو على شكل أشباح مهاجرة.

نحن الأشباح المهاجرة والراحلة.

***

على صفحة بيضاء، كالعرق المسكوب في القدح الصغير، أكتب متابعة القراءة “كحول”

ماذا يجري في قسم حليب الأطفال؟

ماذا يحدث هناك؟
ماذا يحدث هناك؟

ماذا يجري في قسم الحفاضات وحليب الأطفال في المول والمتاجر الكبرى؟

إن كنت اب أو أم، أم مجرّد كائن لم يُسجن بعد في القفص الذهبي، فأنت على الأقل مررت ولو لمرّة واحدة أثناء تسوقك لحاجيّاتك المنزليّة في قسم الحفاضات وحليب الأطفال في المول. رغم محاولاتي تفادي الذهاب إلى “المول”، كونه مكان مكتظ ومليء بالضجّة، فإنّي أجد نفسي أذهب إلى هناك مرّة واحدة خلال الشهر. طبعاً، كوني أضيع دائماً في الممرات الطويلة والمتداخلة للمول، فأمرّ عن طريق الخطأ في ذلك القسم.

هناك، العشرات من العائلات مع أبنائهم الصغار الذين لا يتجاوز عمرهم الأربعة سنوات، يقفون أمام رفوف الحليب يُحدّقون في الفراغ من أجل شراء العبوة المناسبة لعمر طفلهم. وكوني من الذين يُراقبون ما حولهم لأجد موضوعاً أكتبه أو قصة اسردها، بدأت بمراقبة هؤلاء الناس لفترة امتدت حوالي سنتين. لذا، هذا النص لا يهدف إلى تصنيف أحد، بل هو مجرّد ملاحظات هامشيّة.

دوّامة لا تنتهي: خلال تلك السنتين، لم أجد سوى البؤس والشقاء على ملامح الامهات والآباء، أمّا الأبناء فهُم في عالم آخر، مأخوذون بالشاشات المضيئة التي تلمع بين أيديهم. الآباء يجرّون العربة بذهن شارد، وعقول غائبة في دوّامات حياتهم التي يبدو أنّها لن تنتهي قريباً. بينما الأمّهات فتفاصيل وجوههنّ لا توحي بأنّهنّ سعيدات كما يُخبرنا أصحاب نظريّة أنّ الأطفال يجلبون السعادة للرجل والمرأة. وجدت في هؤلاء، آباء وامهات، مجرّد ناس تعبوا من كل هذا البؤس الذي غرقوا فيه نتيجة كل شيء.

هُم في المحصّلة أصبحوا سجناء فعلتهم، والأسوأ من ذلك، لا مخرج سهل لهُم. من ناحية، تكاليف الحياة الباهظة جعلت، الأم والأب، يعملون تسعة ساعات على الأقل في اليوم الواحد، ومع ارتفاع اقساط المدرسة، وإيجارات السكن، والتنقل، أصبحوا يعيشون في دوّامة مغلقة من الركض المتواصل.

لا عودة إلى الوراء: فجأة، يجد الأهل انفسهم أمام التزام سيطول نحو 18 سنة على الأقل. في هذه الأثناء، تتغيّر حياتهم، وتصبح القيود فيها كثيرة، إن كان على صعيد تغيير مكان السكن والعمل، أو حتى السفر (إن كانت تستطيع العائلة تحمّل تكاليفها)، وما كان متاحاً لهُم قبل إنجاب الطفل، سيُصبح مجرّد حلم بعيد بعدها. وهذا ما يزيد من تعاسة وشقاء الآباء والامهات.   المشكلة هي انهم لم يعد بامكانهم العودة إلى الوراء. جائوا بالكائن الصغير إلى هذا الكوكب..ولا يمكنهم العودة عن ذلك القرار، لذا لن نسمع احد من الاهالي يوماً يندم متابعة القراءة “ماذا يجري في قسم حليب الأطفال؟”

الربيع قادم!

IMG_3982
من بودانات – بعدستي

لكل الأرواح المتّقدة بالنار، كل ربيع وأنتم وأنتنّ بخير.

لائحة الأشياء الجميلة

شخصيات مسلسل ساينفلد مع جيري ساينفلد ولاري دايفيد
شخصيات مسلسل ساينفلد مع جيري ساينفلد ولاري دايفيد

حسناً، لستُ مجرّد كائن منزعج طوال الوقت كما قد يخطر في بال البعض خصوصاً وأنّي نشرت مؤخراً “لائحة الكائنات المزعجة” على صفحات المدوّنة. اليوم، اشارككم بلائحة من نوع آخر، وهي لائحة ببعض الأشياء التي تجعلني سعيداً. هي لائحة  أليفة تتضمّن أشياء بسيطة جداً، إذ أنّ السعادة تكمن في التفاصيل الصغيرة.

نحن في زمن فقدان الدهشة، وهذا ما يجعل عالمنا باهتاً ورخواً. وفي الآن عينه، اعتقد بأنّ كلّ منّا يستطيع أن يجد دهشته الخاصة به بعيداً عن ضوضاء التكنولوجيا التي حوّلت حياتنا إلى حياة بائسة مغلّفة بالالوان، الأضواء والمتعة الوهميّة، وبعيداً عن الانهيار اليومي البطيء للحضارة الإنسانيّة الذي تتّضح معالمه يوماً بعد آخر.

طبعاً، وضع الأشياء التي تجعلني سعيداً في الترتيب لا يعني بأنّ واحدة أفضل من الأخرى. لنبدأ:

Source: 500px.com by Ian Curcio
Source: 500px.com by Ian Curcio

– سيجارة وقهوة ما بعد الظهر: كوني بدأت أعمل في المكاتب منذ ثلاثة سنوات تقريباً، أدخلت بعض من الطقوس اليوميّة كي استطيع الاستمرار بالحياة داخل المكتب. ومن هذه الطقوس احتساء القهوة مع السيجارة في فترة ما بعد الظهر. أحياناً اتشارك هذه اللحظات مع اصدقاء في العمل، وأحياناً اخرى أكون بمفردي. استمتع بالشمس، أنظر إلى البحر، واتنفّس سيجارتي ببطء. هي فسحة للذات في يوم الإزدحام الطويل، ولا افوّتها على ذاتي رغم كل شيء.

– موسيقى الجاز: لا اتذكّر تحديداً متى بدأت التعوّد على الاستماع لموسيقى الجاز. في السنوات الخمس متابعة القراءة “لائحة الأشياء الجميلة”

لائحة الكائنات المزعجة!

Source: 500px.com by Michael T. McNerney

كلّ منّا ينزعج على طريقته، ويختلف بيننا سبب الإنزعاج. منذ فترة ليست بقصيرة، بدأت بوضع لائحة بالكائنات والأشياء التي تزعجني كلّما صادفتها. لا أخفي عنكم بانّ هذه اللائحة طويلة، ومفتوحة، إذ أنّ الكثير من الكائنات ستنضم إليها في السنوات القادمة.

لنكن صريحين مع بعضنا البعض. لكلّ منّا لائحته، ولكنّ لا نعلن عن هذه اللوائح خوفاً من أن يتهمنا الآخرون بأنّنا منعزلين، أو غير محبين للناس، أو عنيفين، إلى ما هنالك من ترّهات جماعيّة ظهرت في العقد الأخير بين الناس. نحن بشر، وهذا ليس اكتشافاً أو تصريحاً خطيراً، ولكنّي أقصد بأنّنا كبشر نحمل في دواخلنا مشاعر المحبة والتعاطف، كما نحمل مشاعر البغض والإستياء. لسنا بشر ذات بُعُد إيجابي واحد كما تحاول بعض التيّارات الروحانيّة، الفكريّة، والثقافيّة الحديثة أن تخبرنا.

هنا جزء من هذه اللائحة، التي قد لا تتشاركونها بالكامل معي، ولكنّي على يقين بانّ العديد من عناصر هذه اللائحة هي على لائحتكم مسبقاً. لنبدأ:

– الذين يأتون من خارج السياق: أحياناً، تكون مع صديق(ة) تخوض نقاشاً حول مسألة ما. فجأة، يظهر من العدم أحدهم (نّ)، يدخل النقاش، ويُصبح جزءً منه دون أن يدعوه أي أحد. يُسكتك أنت وشريكك في النقاش، ليُعطي رأيه بثقة. وبعدها يرحل مع ابتسامة نصر على وجهه وكأنّه حقق إنجازاً بأنّه نوّركم وأضاف على حديثكم زوايا لم تكن لتخطر على بالكم لولاه. هذا الكائن نلتقيه كل يوم: في المكاتب، الشوارع، المقاهي، المصاعد، وحتى في الغرف الضيّقة.

– أصحاب المعرفة الشاملة والمطلقة: في السابق كان لديّ شعور بأنّ هؤلاء لا يتواجدون سوى في المدن. لاحقاً، اكتشفت بأنّهم متواجدون في كل الأماكن والأزمنة. هؤلاء لديهم معرفة بكل شيء. يُمكنهم أن يحدّثوك عن الذرّة، الفضاء، التغذية، السيارات، التاريخ، الجغرافيا، السياسة، الجيو استراتيجيا، الطب، الفلسفة، العلوم، الطناجر، متابعة القراءة “لائحة الكائنات المزعجة!”

الفنون القتاليّة: رحلة التحوّل الجسدي – الروحي

من لعبة الفنون القتالية المختلطة

هاني نعيم

منذ حوالي أربعة أشهر، بدأت اتدرّب على الفنون القتاليّة المختلطة (Mixed Martial Arts)، مع صديقي طوني (محرر مدوّنة نينار). أعود للرياضة بعد إنقطاع امتدّ لأعوام. قبل مغادرتي لبيروت، كنت أمارس رياضة الدراجات الهوائيّة (والكهربائيّة)، وأثناء مراهقتي، مثل معظم أبناء جيلي، مارست لعبة كرة القدم لسنوات طويلة، إضافة لكرة السلة.

قد تستغربون كقراء، خصوصاً الذين يعرفوني شخصيّاً، بأنّي في يوميّاتي بعيد كل البعد عن الفنون القتاليّة، ولكن وجدت بعد مرور أربعة أشهر، بأنّ لديّ ما أشاركه من تجربة (مازالت محدودة) معكم كون هذه الرياضة غيّرتني إن كان على الصعيد النفسي، الروحي، والجسدي.

النظام الغذائي السيء والجسد: بعد إنتقالي إلى مدينة الرمال والأبراج الزجاجيّة، ابتعدت عن كافة أشكال الحركة، خصوصاً وأنّ المدينة بنمط حياتها تشجّع على الخمول والكسل، وتقدّم كل الإمكانات لتجعلك جالساً على الأريكة، وقليل الحركة، وهذا ما ساعد أكثر على ازدياد حجم كرشي الذي أصبح معلماً أساسيّاً من معالم جسدي، وهذا ما اثّر على نظامي الغذائي خصوصاً وصحّتي عموماً. كيف حصل ذلك؟

حسناً، في مدينة سريعة تشجّع على الخمول، تبدأ باللجوء إلى وجبات سريعة، وتناول أي شيء من الأطعمة، بما فيها السكاكر والتشيبس. تتناولهم دون الإنتباه إلى تأثر ذلك عليك، وبعد مرور سنتين، وصل حجم كرشي إلى وضع كارثيّ نسبة لحجم جسدي. وقبل بدء تدرّبي بعدّة أشهر، ظننت أنّ لديّ مشكلة في الإمعاء، لأنّي كنت غير قادراً متابعة القراءة “الفنون القتاليّة: رحلة التحوّل الجسدي – الروحي”