هاني نعيم
اتذكرون برنامج “نهاركم سعيد” الذي بدأ عرضه على شاشة “المؤسسة اللبنانية للإرسال – LBC”، التي تعتبر شاشة مسيحيي لبنان خلال الحرب وما بعدها؟
بدأت المحطة عرض هذا البرنامج في عام 1996، وقد تضمن مسابقة “الكنز المفقود”. هذه المسابقة تتكوّن من شيء مخبأ في الصندوق، وعلى المشاهدين الاتصال ومعرفة ما هو هذا الشيء، من خلال طرح ثلاثة اسئلة، والذي يحزر ما هو الشيء الذي في الصندوق، يفوز بجائزة قيّمة.
في تلك الفترة، بدأ مسيحيو لبنان يتقبّلون فكرة أنهم ضيوف عند اخوانهم المسلمين الذين انتصروا في الحرب الأهليّة، وبدأوا أيضاً بتقبّل فكرة أنّ قياداتهم لا مكان لها بالمعادلة السياسية. هكذا خسر المسيحيون “الوطن”، وحلّ الإحباط في روحهم، وترجمة لهذا الإحباط أصبحوا يبحثون عن “الكنز المفقود” عبر شاشة الـ “ال بي سي”.
هكذا، استبدل المسيحيون وطنهم الضائع بـ”كنز مفقود” يبحثون عنه من وراء شاشات التلفزيون أثناء جلوسهم على الكنبة. هذه الخطوة هي استكمال لانسحابهم من المشهد العام للبلاد بعد مقاطعتهم للانتخابات البرلمانيّة عام 1992، وتعيين نواب مسيحيين موالين للوصاية البعثيّة على لبنان.
في هذه الأثناء، بدأت الليبراليّة تنتشر في الأوساط المدينية للطائفة السنيّة. تمثل هذا الانتشار تلفزيونياً بسماجة الإعلامي ميشال قزي (ميشو) المشهور بعبارة “خمسة وعشرين ثانية الك”. كان برنامجه الترفيهي يعرض على قناة المستقبل التي يملكها الرئيس الراحل رفيق الحريري، أحد أعمدة النظام اللبناني في مرحلة ما بعد التسعينات. ونتيجة للتزاوج ما بين الترفيه والليبراليّة السنيّة ولدت سماجة “ميشو” التي لم تنحصر بلبنان بل شملت العالم العربي كله.
وفي ما بعد التسعينات، تشكلت فئة من المجموعات السكانية في لبنان لا تنتمي للمعسكرات السياسيّة. هي خارج المعادلات الطائفيّة، وتؤمن بالدولة كبديل عن الميليشيات. هذه الفئة هي التي كانت تشاهد مسلسل “العاصفة تهب مرتين”، الذي عرض على شاشة “تلفزيون لبنان”، وقد عالج بعض المسائل الاجتماعيّة في لبنان، ولكن بقي، كغيره من المسلسلات اللبنانيّة، خارج السياق اللبناني. ففي هذا المسلسل مثلاً، لا أسماء طائفية او دينيّة للشخصيات. كل الأسماء فيه تنتمي لكتاب القراءة الذي كتبته “الدولة اللبنانية” وهي: زياد، سامر، نادر، نهلة، غوى، سوزي وغيرها. كما أنّ نسبة الفقراء في المسلسل متدنية جداً، والغالبية تعيش في قصور فخمة.
بحث المسيحيون عن الكنز المفقود لم يعنِ استسلامهم، إذ بلوروا هويتهم السياسيّة من خلال لعبة كرة السلة. ومع صعود نجم فريق الحكمة الرياضي، الذي فاز بالدوري اللبناني لكرة السلة وبعدة بطولات عربيّة وآسيويّة، أصبحت “الحكمة” هي طريق المسيحيين للسياسة.
في ذلك الحين، كان لتلفزيون “المؤسسة اللبنانية للارسال” الحق الحصري بنقل مباريات الدوري، وكان يتوسّط قميص فريق الحكمة شعار الـLBC. وأثناء المباريات كان يرتفع متابعة القراءة “تسعينيات لبنان: الطوائف من خلال التلفزيون”