بوب مارلي: أيقونة موسيقى وتمرّد


بوب مارلي (1945- 1981)، هو مزيج من أفريقيا، وجمايكا. ليس مجرّد اسطورة موسيقيّة، بل هو روحاني على طريقته الرستفاريّة، ومقاتل من أجل السلام. هذه الخلاصة ترسّخت لديّ أكثر عندما شاهدت الأسبوع الماضي، الفيلم الوثائقي “مارلي” الذي بدأ يُعرض الآن في صالات السينما.

ملصق الفيلم

الوثائقي لم يكن فقط عن بوب مارلي. يبدو أنّه كان صعباً على مخرج الفيلم أن يتناول حياة “الأسطورة” دون أن يدخل في أعماق تاريخ القارّة السمراء، التي عانت وتُعاني منذ أن استعمرها الأوروبيين في القرون الغابرة، والعلاقة بين أفريقيا وحقبات الأستعباد التي أدّت إلى استعباد 60 مليون أفريقي، حيث تم إرسالهم إلى الولايات المتحدة، وأميركا الجنوبيّة، إذ كانت تلك البلاد تحت حكم الامبراطوريّة البريطانيّة والبرتغاليّة والفرنسيّة.

عندما نذهب إلى تلك الحقبات، يُمكننا أن نفهم بشكل أفضل من أين جاء بوب مارلي، موسيقته، أغانيه، انفعالاته، وكلمات أغانيه التي يرددها مهمّشو الأرض كل يوم.

يبدأ الفيلم مع اللحظات الأولى لإلتقاء والده الإنكليزي “الأبيض”، وبوالدته الأفريقيّة “السوداء”،  ومولد بوب مارلي، الذي جاء نتيجة هذا المزيج، الذي شكّل في مراحله الحياتيّة الأولى مصدراً للإزعاج. ولكنّه ما إن دخل عالم الموسيقى، التي غيّرت حياته، تأقلم مع الفكرة، وتخطى هذه المسألة.

في البدء، كان يغني مع فرقته (The Wailers) أمام عشرات، لاحقاً أمام مئات، وعندما عرف العالم به، أصبح يغنّي أمام مئة ألف، وهكذا خلال أسابيع قليلة، شاهده مليوني شخص في جولته الأوروبيّة وحدها.

في مرحلة العشرينيّات، كان يعتقد بأنّ المسائل الروحيّة التي يؤمن فيها لا يؤمن بها أحد غيره. كاد أن يُصاب بإحباط، إلى أن التقى بالرستفاريّة، التي رآها تجسّد معتقداته الروحانيّة، وهكذا اعتنق هذا المذهب، وبدأ بتطويل شعره، وجدله بما يتناسب مع معتقده الإيماني.

أما عن موسيقته، فرحلته تبدأ من جمايكا وتنتهي في جمايكا، مروراً بلندن (التي كانت مقرّاً له لفترات مختلفة)، أوروبا، الولايات المتحدة، اليابان، والقارّة الأفريقيّة التي كانت بالنسبة له موطنه الأوّل. وطبعاً، لم يكن مارلي مجرّد موسيقي لشعبه، فهو أيضاً مقاتلاً من السلام.

اندلعت الحرب الأهليّة في جمايكا عام 1978، ووصلت البلاد إلى حدود قصوى من العنف، عندها قامت الحكومة والمعارضة المتنازعتان بإرسال وفد إلى لندن للطلب من مارلي العودة إلى البلاد، ليكون صلة وصل بين شعبه المنقسم، هكذا، عاد بوب مارلي إلى البلاد، وأحيا حفلة حضرها مئات الآلاف من أبناء شعبه، تلتها توقيع معاهدة سلام بين الأطراف المتنازعة، وبالتالي دخلت البلاد في مرحلة من السلم الأهلي.

أغاني بوب مارلي لم تكن جزءاً من أجل السلام فقط، بل كان لها دوراً في استقلال زمبابواي التي كانت تقاتل حينها من أجل استقلالها وحريّتها. هكذا أصبحت أغنية “زمبابواي”، النشيد الرسمي للمقاومة العسكريّة الزمبابويّة حينها.

من الطبيعي أن يمتلأ الفيلم بمعلومات عن الموسيقى الجمايكيّة والريغي، وعن تطورها، وكيف أصبحت جزءاً من الموسيقى العالميّة، كون بوب مارلي ساهم بنشرها وتقديمها كموسيقى للتحرر الإنساني بوجه الظلم والطغيان.

كما وأضاء الفيلم على حياة بوب مارلي العاطفيّة ومفهومه للزواج من خلال مقابلات مع نساء أقام معهنّ علاقات، وأولاده. فهو يعتبر الزواج الرسمي مجرّد مفهوم غربي لا يستطيع أن يفهمه أو يتقيّد به، ورغم ذلك فهو متزوّج رسميّاً، ولكن لديه 11 أبناً وابنة، من 7 علاقات مختلفة.

توفي مارلي، بسبب أصبعه الذي أصيب عندما كان يلعب كرة القدم، اللعبة التي عشقها (حتى الموت). عندها، لو قبل مارلي ببتر أصبعه، لكان اليوم مازال على قيد الحياة، يقول أحد الأشخاص المقرّبين منه. يذكر الفيلم، الذي يحتوي على لقطات ومقابلات نادرة، أنّه لم يقبل ببتر أصبعه لأنّ ذلك سيمنعه من الرقص، أو لعب كرة القدم، مع أنّ الكثير من المعلومات المتداولة تقول بأنّه رفض بتر أصبعه بسبب معتقده الروحاني الذي يدعو لعدم بتر أي من الأعضاء.

غرافيتي بوب مارلي في بيروت

بغض النظر عن أنّ هذه المسألة تشكّل لغزاً صغيراً لعشّاق مارلي وموسيقته، فإنّ موته عن عمر يناهز السادسة والثلاثين، كان قاسياً ليس لعائلته، والذين رافقوه ودعموه طوال حياته، ولشعبه، بل شكّل خسارة للموسيقى، والسلام، والحريّة.

عندما خرجت من قاعة السينما، أوّل سؤال خطر في بالي هو: “هل أفريقيا، ونحن، بحاجة إلى بوب مارلي جديد؟”

الكاتب: Hanibaael

Writer. Content Creator & Fire Performer

رأيان حول “بوب مارلي: أيقونة موسيقى وتمرّد”

أضف تعليق