“وهلأ لوين؟”: نسويّة لاعنفيّة


وهلأ لوين؟“. مشهديّة سينمائيّة  تمشي على الخيط الرفيع الذي يفصل الواقع عن السرياليّة. الكوميديا عن الدراما. تتوغّل المخرجة الشابة نادين لبكي في أعماق العلاقات الداخليّة في الريف، حيث تغيب الخصوصيّة الشخصيّة للفرد، لتتحوّل حياة أي شخص لمسألة عامة، يتدخّل بها الجميع. ولكن رغم غياب هذه الخصوصيّة، لم تغفل لبكي إبراز السمات الخاصة بكل شخصيّة من شخصيّات القرية، وهذا ما يُضفي على الفيلم طابعاً حقيقيّاً، إذ تبدو هذه الشخصيات مألوفة، ومحبّبة، وكأنّ المشاهد(ة) قد التقاها، ويلتقيها في يوميّاته المتكررة.

يبدو الفيلم وكأنّه تصوير لمشهد عام من قرية معزولة عن باقي الأحداث التي تجري على مساحة البلاد. إذ تطغى على الفيلم المشاهد الجماعيّة لأهل القرية التي يعيش فيها الاسلامي والمسيحي منذ زمن بعيد. فمن النادر، أن تجري الأحاديث الثنائيّة بين شخصين في الضيعة.

تتصّل القرية بالعالم الخارجي عبر ممر ضيّق، وتلفزيون الذي يكون مصدر للأخبار، وتالياً التوتّر. فخبر الإشكال الطائفي الذي وقع في المدينة، وأدى إلى مقتل عدد من الناس، ترك بصماته على العلاقات بين الطائفتين في القرية، إذ بدأ التوتّر يتصاعد بين الرجال (من كلا الطائفتين الإسلامية والمسيحية)، وبدأ الجميع يبحث عن أدنى سبب لأفتعال مشكلة بين بعضهم البعض.

هكذا يبدأ الفيلم، بأخذ منحاه التصاعدي، إذ يبرز الدور المحوري لنساء القرية (من كلا الطائفتين) اللواتي رفضن أن تتكرّر مأساتهنّ، خصوصاً وأنّهم مازالوا في حالة حداد على اللذين قتلوا مؤخراً جرّاء الحرب. لذا، عملن، بكل الوسائل المتاحة والغريبة، على تجنيب القرية كارثة لا أحد يعرف عقباها. ومن بين الأفكار التي لجأن إليها من أجل ذلك، تخريب التلفزيون الوحيد الذي يُشكّل مصدر أخبار القرية، استقدام خمسة راقصات (روسيات ورومانيّات) من إحدى الملاهي الليليّة لتخفيف التنابذ بين الرجال.

أما أكثر المشاهد الدراميّة، والذي حمل رمزيّة الانثى- الأم المضحّية والصابرة، فهو عندما  قتل الأبن الأصغر لأرملة، أثناء اقتتال خارج الضيعة. عندها دفنته في البئر، ولم تُخبر أحداً منعاً من أن تؤدّي هذه الحادثة إلى الاقتتال بين الأهالي، خصوصاً وأنّ التوتّر بينهم كان قد وصل إلى ذورته. وعندما علم ابنها الكبر بمقتل اخيه الأصغر، بدأ بالبحث عن سلاحه كي يذهب وينتقم لأخيه. وأيضاً، أوقفت الأم العنف، بإطلاق رصاصة على رجل أبنها، وعزله في البيت.

وبما أنّ “الحشيشة” لها دورها أيضاً في الاستقرار الأهلي في البلاد. قامت النسوة باستخدامها لوقف الاحتقان، عبر خلطها بعجينة الفطائر والحلويات، وإطعام الرجال منها. وفي الصباح التالي، انقلبت كل النسوة على أديانهنّ “الأصليّة”. إذ عمدت كل واحدة منهنّ إلى تغيير دينها. وهكذا أصبح كل رجل مسلم زوجته مسيحيّة، وكل رجل مسيحي زوجته مسلمة ومحجّبة. المسلمة ارتدت الصليب وخلعت الحجاب. والمسيحيّة بدأت تُمارس الطقوس الإسلاميّة. هكذا، أصبح “العدو” في داخل كل بيت من بيوت الرجال.

مع تقدمّ الفيلم، كان يظهر أكثر فأكثر “النَفَس النسوي” لدى المخرجة. النسوة اللواتي وقفن بوجه العنف والحرب، حفاظاً على أزواجهنّ، أبنائهنّ، وقريتهنّ. كان وكأنّه نضالاً على طريقتهم العفويّة، والفطريّة. غريزة الأنثى الواعية كانت تقودهم نحو الحفاظ على حياة كل شيء.

“وهلأ لوين؟”، يُعتبر من أبرز أفلام سينما ما بعد الحرب، التي قاربت الحرب الأهليّة من زاوية غير متوقع. خصوصاً وأنّ السينما اللبنانيّة استهلكت موضوع الحرب لحدود التكرار (والملل؟). ولا بد من الإشارة، إلى وجود بعض “الكليشيهات” التي يبدو أنّ المخرجة لم تستطع الاستغناء عنها.

إضافة إلى ذلك، يُعتبر الفيلم أقرب إلى المدرسة الأوروبيّة الشرقيّة. فالحركيّة في المشاهد، تركيب الشخصيّات، الموسيقى التصويريّة، السرياليّة الغير منفصلة عن الواقع أحياناً، الكوميديا المترافقة مع الدراما، وغيرها من العناصر السينمائيّة، كلّها تُشير إلى ذلك.

الكاتب: Hanibaael

Writer. Content Creator & Fire Performer

7 رأي حول ““وهلأ لوين؟”: نسويّة لاعنفيّة”

  1. شكرا جزيلا لك..الجريدة اسمها (المساواة)
    اتمنى ان تزودني باسم كاتب المقال
    اكرر شكري وتقديري

    إعجاب

أضف تعليق