عرس جماعيّ «مدني» غداً.. تأكيداً على حريّة الاختيار


«بدّي إفرح ببلدي».. وإن لم يعترف البلد بحقّنا في الفرح

هاني نعيم

غداً، يحتفل المدنيّون اللبنانيّون بمرور اثني عشر عاماً على إقرار مشروع قانون مدني اختياري للأحوال الشخصيّة. حينها، أقرّت الحكومة القانون الذي تقدّم به رئيس الجمهوريّة الراحل الياس الهراوي، إذ صوّت 20 وزيراً، مع ورقة بيضاء، من أصل 30 وزيراً. لكن هذه الموافقة لم تكن تعني أن مشروع القانون في طريقه للتصويت عليه في البرلمان وإقراره بشكل نهائي، ففي بلاد الطوائف والحروب الأهليّة الدوريّة، تبقى سلطة المؤسسات الدينيّة أعلى من السلطات السياسيّة والمدنيّة.
هكذا، وبضغط من تلك المؤسسات التي شعرت بأن الأمور تخرج عن إرادتها، أجبرت الحكومة على وضع مشروع القانون في الثلاّجة.. والنسيان.
يومها، اعترض المدنيّون ـ العلمانيّون على تجميد المشروع. أطلقوا، بدعوة من «حركة حقوق الناس» حملة وطنيّة شارك فيها 75 حزباً وجمعيّة ونقابة، ومعها حركات شبابيّة ونسائيّة من كل البلاد. ورغم النشاطات الواسعة للحملة، فهي بقيت تحت سقف المواجهة المطلوب.
ومنذ ذلك الحين، كرّست الحملة يوم 18 آذار من كل عام كذكرى: «يوم وطني لحريّة الاختيار».
غداً، يعود المدنيّون إلى الساحة، بدعوة من «شَمْل» (شباب مواطنون لبنانيون لا عنفيون) للاحتفال على طريقتهم بهذا اليوم، والمطالبة من جديد بإقرار قانون أحوال شخصيّة لبناني.
«نشاط غد هو جزء من حملة مطلبيّة واسعة»، تقول منسّقة النشاطات في «شَمْل» ساندي متيرك. وتضيف: «هذا العام أخذنا على عاتقنا استكمال الحملة التي بدأت منذ 12 عاماً، مستفيدين من التجربة السابقة».
تفصح ساندي عن أن الحملة ستترافق مع اقتراح قانون مطوّر صاغه مؤسسا «الهيئة اللبنانية للحقوق المدنيّة» الدكتور وليد صليبي وأوغاريت يونان. أما ما يميّز هذا القانون عن سابقيه فهو أنه «ليس مجرّد قانون زواج مدني، بل يشمل كافة الأحوال الشخصيّة للمواطن، ويجمع زبدة القوانين المطروحة سابقاً».
الدعوة إلى العرس الذي سيُقام غداً مفتوحة للجميع: للشباب والصبايا الذين يحبّون بعضهم بعضاً خارج إطار الطوائف، للذين يريدون الزواج مدنيّاً، للمتزوّجين مدنيّاً، وحتّى للذين يريدون التزوّج دينيّاً، ولكنّهم يؤيّدون حق الآخرين بالزواج المدني.
عند الرابعة من بعد الظهر، سيجتمع المحتفلون في ساحة رياض الصلح، ليتوجّهوا إلى ساحة النجمة أمام البرلمان، بملابسهم الخاصة بالعرس. بذلات رسميّة للشباب، وفساتين عرس للصبايا. وطبعاً، لن تغيب الزغاريد والرقص وفرقة الدبكة. أما الشعار الذي سيرفعه المشاركون فهو موحّد: «عقبال ما يصير عنّا قانون لبناني للأحوال الشخصية». من هنا، يمكن فهم عنوان النشاط: «عرس مع وقف التنفيذ».
هذه الخطوة هي فسحة تعبير لكثير من الشباب الخارجين من حصار طوائفهم القاتم. الشاب وليم محفوض والفتاة نادين سامكو المخطوبان منذ أكثر من سنة، والآتيان من طائفتين مختلفتين، سيشاركان في العرس الرمزي. خصوصاً أنّ العرس الفعلي مؤجّل لحين تسيير المشاكل الاقتصاديّة، كما أن الذهاب لقبرص للقيام بالزواج المدني مكلف أيضاً، يقول وليم.
ورغم أن القانون المقترح عادة من المنظمات المدنيّة يكون ذا صفة اختياريّة، يؤيّد وليم «الزواج المدني الإلزامي» على أن يكون الزواج الديني اختيارياً لمن يريد. لذا، «ولو كنّا من ذات الطائفة أنا وشريكة حياتي لكنّا تزوّجنا مدنيّاً. هو خيارنا الوحيد».
يشرح وجهة نظره قائلاً بأن «قانون الأحوال الشخصية المدني هو حق طبيعي وبدائي في كل مجتمع قائم على قيم إنسانيّة، لذلك فإن المطالبة به واجب إنساني»، معتبراً أن النظام القائم ليس الجهّة الملائمة للمطالبة بهذا الحق، لأن هذا الحق هو النقيض الطبيعي لهذا النظام. ويلمّح إلى ضرورة رفع سقف المواجهة مع السلطات الدينيّة والطائفيّة والسياسيّة للحصول على الحقوق المدنيّة.
***
يُشارك النادي العلماني في الجامعة الأميركيّة في بيروت، في النشاط. وهو كان قد بدأ التحضير لعرس رمزي للزواج المدني في آذار الحالي، في الجامعة. «ولكننا اجّلنا النشاط للمشاركة في «اليوم الوطني لحريّة الاختيار»، على أن نقوم بنشاطنا لاحقاً»، يقول مسؤول الأنشطة في النادي فادي جرادة.
أما عن إمكانيّة إقرار قانون أحوال شخصيّة مدني، فيشرح رئيس النادي العلماني علي نور الدين بأن «الطبقة السياسيّة بكل أطيافها، ستتعامل معه كسائر القوانين الإصلاحيّة الأخرى. رفضوا قانون خفض سن الاقتراع إلى سن الثامنة عشرة، وبذات الذرائع سيعودون ويرفضون قانون الأحوال الشخصية المدني». ويعتبر علي أنّ النفاق السياسي هو الأساس الأخلاقي الذي تعمل به الكثير من الأحزاب السياسيّة. إذ تتبنّى شعارات الإصلاح والعلمانيّة والتغيير وإلغاء الطائفيّة لاستقطاب الشباب، وبعد استخدامهم في معاركهم ومغامراتهم السياسيّة يتهرّبون من الإقرار بالإصلاحات بذرائع طائفيّة.
***

منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، الذي جمّد القانون المدني للأحوال الشخصيّة سابقاً، زادت الطوائف شراسة وقوّة. تقسّمت البلاد إلى فدراليّات غير معلنة، في ظل «كوما علمانيّة»، وانحسار اليسار لمجموعات هامشيّة، وطفرة «منظمات المجتمع المدني» غير البنّاءة.
ومقارنة بتسعينيّات القرن الماضي، يبدو أن العلمانيّين والمدنيين اللبنانيّين فوّتوا على أنفسهم فرصة ذهبيّة لإقرار حقوقهم ودفع المجتمع نحو «المدنيّة». حينها، كان الجو الاجتماعي في البلاد يحافظ على حد أدنى من الانفتاح على التعدد، أكثر من يومنا هذا. إذ شهدت البلاد أحداث عنف طائفي مسلّح طوال الأعوام الماضية، بلغت ذروتها في السابع من أيار 2008. وتعيش البلاد الآن مرحلة من الهدنة الهشّة، التي قد يفرطها مجرّد حادث عابر، كاحتمال مشاركة لبنان في قمّة الجامعة العربيّة مثلاً.
علمانيو اليوم يقولون لو رُفع السقف أكثر وقتذاك، وتمت مواجهة المؤسسات الدينيّة التي «حللّت دماء المدنيين» لكان اختلف الوضع. وعلمانيّو الغد قد يقولون، لو دفع آباؤنا ثمن المواجهة، وأوقفوا زحف الأصوليّات، لكان أفضل بكثير من تكرار حروب «داحس والغبراء» التي لا تنتهي.
غداً، يجدد المدنيّون حملتهم المطلبيّة بإقرار حقوقهم الإنسانية والمدنيّة، فهل يكونوا على مستوى التحديات؟

غداً، التجمع أمام ساحة رياض الصلح، ابتداءً من الرابعة بعد الظهر.

الاربعاء 17 آذار 2010

جريدة السفير

الكاتب: Hanibaael

Writer. Content Creator & Fire Performer

أضف تعليق