«حكومة الظل»: أسئلة حول التأسيس والتمثيل.. والعلاقة مع «نهار الشباب»


شاب يشارك على طريقته في العمل السياسي -Flickr: by leliamezher
شاب يشارك على طريقته في العمليّة السياسية – Flickr: By leliamezher

هاني نعيم

تدخل حكومة الظل الشبابيّة، هذا العام، في دورتها الرابعة. وخلال شهر، ستعلن عن بيانها الوزاري. في البدء كانت فكرة راودت الصحافي جبران تويني. برأيه الحكومة الشبابيّة وسيلة جيّدة من أجل إبراز رأي ودور الشباب اللبناني في العمليّة السياسية.
في 12 كانون الأول 2005، اغتيل جبران. يومها، عثر بين أوراق حقيبته على «نظام حكومة الظل». وتكريماً له، أقرّت الحكومة اللبنانية مشروع «حكومة الظل الشبابيّة»، أحد مشاريع جمعيّة «نهار الشباب»، التي تقوم على مراقبة ومتابعة أعمال الحكومة الأصيلة، على أن تموّل الحكومة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي «UNDP»، البنك الدولي، «Mepi» أو «مبادرة الشراكة الشرق أوسطية»، و«نهار الشباب».
اختلفت آليّات الانتساب إلى حكومة الظل الشبابيّة من الدورة الأولى حتّى اليوم. يشرح الأمين العام لحكومة الظل عيّاد واكيم: «في الحكومة الأولى (2006-2007)، كان التمثيل جامعيا. تم الاجتماع مع 21 جامعة. واتفق مع كل منها على أن حصّة من التمثيل تتناسب مع عدد طلابها». تألفت الحكومة حينها، من 16 حزبيا، مقابل 13 «لا حزبي». وهذا ما أدى إلى «انتقال التوتّرات السياسة من الشارع إلى داخل حكومة الشباب»، على حد تعبير وزير الثقافة وحقوق الإنسان في الحكومة الأولى يحيى مولود.
وتفادياً للأفخاخ السياسيّة، تحوّل الانتساب إلى انتساب الكتروني. يوضح واكيم: «يملأ الشباب استمارة على الانترنت. ولاحقاً، تقوم لجنة مؤلّفة من ثلاثة أو أربعة أعضاء من جمعيّة «نهار الشباب» باختيار وزراء حكومة الظل، بناءً على خبرتهم العمليّة في الحقيبة الوزاريّة التي يفضّلونها، بالإضافة إلى الحرص على تمثيل الطوائف والمناطق بعيداً عن التوازنات الطائفيّة»، ما يعني غياب الستة والستة مكرر اللبنانيّة التي تطغى على كل شيء.

في هذا الصدد، ينتقد مولود الآليّة الجديدة للانتساب: «رغم أن الآليّة الجديدة تفتح مجالاً أكبر للشباب للانتساب إلى حكومة الظل، ورغم أن الحكومة الأولى كانت أقرب إلى مجلس طلابي حزبي، فهذه الآليّة الجديدة، أفقدت الحكومة قوّتها التمثيليّة، فأن يمثّل الوزير جامعته يختلف عن أن يمثّل ذاته فقط. الصفة التمثيليّة السابقة كانت تشكّل ضغطاً عند طرح المشاريع. أما الآن، فيتم تعيين الوزراء، ويمكننا أن نتخيّل كيف تجري الأمور».

ويصف بعض منتقدي حكومة الظل بأنها «غير ديموقراطيّة»، «إذ كيف لجمعيّة واحدة لها توجّه سياسي معيّن أن تقوم بتشكيل حكومة ظل شبابيّة من المفترض أن تكون «حكومة كل الوطن». ومع هذا النقد تساؤلات كثيرة: ما هي المعايير التي يتم على أساسها اختيار الوزراء، وما هي معايير اختيار اللجنة التي تختار الوزراء، خصوصاً أنهم من جمعيّة واحدة معروفة التوجّه السياسي، إضافة إلى حصريّة محاسبة الحكومة عبر الجمعيّة، هذا إذا وجدت.

«إنجازات» حكومات الظلّ

تعتبر انطلاقة حكومة الظل الشبابيّة متعثّرة، خصوصاً أنّها ترافقت مع انقسامات سياسيّة حادّة، فالحكومة الأولى كانت نسخة عن الحكومة الأصيلة، من حيث التجاذبات والمشاكل السياسيّة. «ما أدى لاقتصار عملها على وضع البنية التحتيّة للمشروع ككل، والقيام ببعض الأعمال مثل المشاركة في تأسيس منتدى الشباب الاقتصادي، وإطلاق مشروع دعم الكتّاب الناشئين»، يقول مولود.
مع الحكومة الثانية (2007-2008) بدأت المسائل تأخذ منحى آخر. تغيّر الاتجاه العام لعمل الحكومة، إضافة لآليّة الانتساب إليها. وعن هذا التوجّه يشرح واكيم: «ذهبنا إلى ساحة العمل المدني ـ الاجتماعي عبر القيام بمشاريع صغيرة ومفيدة». يستفيض في فكرته معتبراً أن «قوّة الحكومة هو أن لا أجندة سياسيّة لها. إضافة، هي لا تدّعي أنها تمثّل الشباب ولن تدّعي، بل تعمل على إشراك الشباب في العمل المدني وتعزيز دورهم وثقتهم بأنفسهم».
وفي الحديث عن «انجازات» الحكومة، قد تبدو هذه العبارة كبيرة نسبةً للمشاريع التي حققتها جميع الحكومات حتى الآن. فقد أطلقت الحكومة الثانية دورة تدريبيّة لـ300 شاب وشابة في مديريّة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد. وتعاقدت الوزارة مع 73 كادراً من هؤلاء منذ 5 أشهر. إضافة لمشروع خاص بإعادة تدوير الورق، أطلقته وزارة البيئة ـ الظل. وآخر «انجازاتها»، وضع قانون لإنشاء «النيابة العامة البيئيّة» والشرطة الخضراء لحماية البيئة.
وإذا كانت أعمال الحكومة الثانية تشبه إلى حدّ ما كلام عيّاد. فهذا لا ينطبق على الحكومة الثالثة (2008ـ2009)، حيث ترافق إطلاقها مع جدال سياسي ساهم إلى حد كبير بتأكيد «الصبغة الآذاريّة» التي يصفها بها من ينتقدها. حدث ذلك تحديدا في مؤتمر إعلان بيانها الوزاري، وفي النقاشات التي أثارها تصريح واكيم حينها بأن «سلاح المقاومة غير شرعي».
هذه الحادثة «العابرة» تؤكّد أن حكومة الظل هدفها ليس فقط العمل المدني ـ الاجتماعي كما يريد القيّمون عليها إعطاء هذا الانطباع، وبأنها تحمل أجندة سياسيّة ما. ولكن يبدو أن الحكومة الرابعة ستتجنّب فعلاً العناوين السياسيّة، إذ يؤكّد بعض الوزراء أن البيان الوزاري المرتقب سيتضمّن فقط المشاريع التي ستقوم بها كل وزارة.

أما بالنسبة لـ«إنجازات» الثالثة، فهي تتمحور حول حقوق الإنسان. حيث تم اقتراح إنشاء وزارة حقوق الإنسان في الحكومة الأصيلة. «عُرضت الفكرة على عدد من الأطراف السياسيّة، ولاقت أصداءً جيّدة»، كما يصفها وزير حقوق الإنسان في حكومة الظل الثالثة دياب اسعد. أيضاً، المطالبة بإدراج مادة «حقوق الإنسان» في المناهج التربوية. وقد قام، منذ مدّة، رئيس الجامعة اللبنانية بإدراج هذه المادة في المناهج الجامعية. إضافة إلى فتح مكتب «حقوق الإنسان» تابع لقوى الأمن الداخلي.
ويضيف اسعد أن «للحكومة «انجازات عربيّة»، منها: سعي مسؤولين عراقيين، بعد اضطلاعهم على عمل الحكومة الشبابية، لنقل هذه التجربة إلى العراق. كما أن الحديث في مصر بدأ عن القيام بتجربة مماثلة.
أما الحكومة الرابعة التي تضمّ وزيرين من المجتمع المدني، فمن انجازاتها الأوليّة «الانضمام إلى الحملة المدنيّة للإصلاح الانتخابي»، على حد تعبير وزير البلديات الجديد ماريو أبو زيد. ويضيف بأن «البيان الوزاري هذا العام سيتضمّن فقط المشاريع التي ستقوم بها كل وزارة، من دون الدخول في العناوين السياسيّة المطروحة في البلاد».
هذه الانجازات تجد لدى منتقدي حكومة الظل تفسيرا مختلفاً. فهؤلاء يشبّهون الحكومة بـ«الجمعيّة»، باعتبار أن المشاريع التي تقوم بها تشبه إلى حد بعيد المــشاريع التي تقوم بها أية جمعيّة ناشطة في المجتمع المدني، وبالتالي الاسم الذي تحمله هو عنوان عريض وفضفاض لمشاريع صغيرة ومحدودة. حتّى أن مشروع «حكومة الظل» ليس إلاّ مشروعاً من المشاريع التي تقوم بها جمـعيّة «نهار الشباب».

حكومة الظل «النهاريّة»؟

تتكرر عبارة «إزالة الصبغة عن حكومة الظل» على لسان جميع وزرائها، في إشارة منهم إلى اعتبارها مشروعاً تابعاً لجريدة «النهار» وواجهة شبابيّة لقوى 14 آذار. وهكذا أصبح لكل حكومة جديدة بند آخر تعمل عليه وهو «إزالة الصبغة النهاريّة».
يعتبر وزير الاقتصاد والتجارة في الحكومة الثانية رازي الحاج أن «علاقة «النهار» بالحكومة أثرت على صورتها تجاه الناس، وأدى ذلك لاعتبارها جزءا من 14 آذار. ولكنه يرى أن «هذه الصورة تغيّرت كثيراً بعد لقائنا جميع الاحزاب، واطلاعهم على المشاريع التي نعمل عليها».
أما أسعد فيؤكد أن هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحّة، ويشدد على أن «النائبة نايلة تويني لم تتدخّل يوماً في قرارات الحكومة، أو حتى أي احد من «نهار الشباب». ويتّفق معه أبو زيد الذي يعتبر «إزالة الصبغة ضروري لتسهيل عمل الحكومة». هذا التأكيد تقابله بعض الوقائع المعلنة، منها مثلا علاقة واكيم المؤسساتية بالزميلة «النهار»، وكذلك مدير التحرير فيها الزميل غسان الحجار، فضلاً عن قرار إنشاء الحكومة بحد ذاته، الذي أنيط بجمعية «نهار الشباب»، رغم صدوره عن مجلس الوزراء! الأمر الذي يضفي الشرعية على سؤال العلاقة بين الحكومة والجمعية.

غير مرحب بـ«المشاغبين»

السؤال السابق قد نحصل على بعض الإجابات حوله في الحادثة التي جرت مع وزير الزراعة المستقيل علي فخري، والذي تعود قصّته إلى ما قبل قمّة كوبنهاغن. حينها، كان فخري ينوي الركض شبه عارٍ في أحد شوارع الحمرا، من أجل تمويل حملة مشاركة الناشطين العرب في كوبنهاغن.
قبل أيام من نشاطه هذا، يتفاجأ برسالة الكترونية من الأمين العام لحكومة الظل يطلب منه العدول عن هذا النشاط، وإلاّ سيتعرّض للطرد من الحكومة. على أثرها، أرسل فخري بريداً للأمين العام والوزراء الجدد يشرح فيها وجهة نظره، مقدّماً استقالته من مهمّته. «لقد تضامن العديد من وزراء الحكومة الثالثة والرابعة، ولكن في السر».
يعلّق فخري على ما جرى قائلاً «بريستيج حكومة الظل لا يسمح لها بوجود ناشط غير تقليدي ضمن أعضائها. يريدون فقط «لابسي الكرافات»، ومن يوافق على مواقفهم». ويضيف «منذ تقديم استقالتي لم يرد عليّ احد. هم لم يرفضوا أو يوافقوا على الاستقالة».
فخري يعود ليؤكد على أن «حكومة الظل مبادرة جيّدة، وعليها الابتعاد عن البرستيج، كما أنه يمكن لأي جمعيّة ان تقوم بحكومة ظل أخرى». ويختم بأن الحكومة «مُسيطر عليها من إدارة «نهار الشباب» التي تحدد لكل وزير ما يجب القيام به، وما يجب أن يقول. الحكومة الأولى كانت الأكثر استقلالاً عن توجّه «النهار»، كونها كانت ذات تمثيل جامعي وحزبي».
ويعترف واكيم: «ضعف حكومة الظل أنها ليست مؤسسة قائمة بحد ذاتها، أي أنها غير تابعة للدولة»، محددا بهذه العبارة الخلل الذي يواجه الحكومة. ويتّفق الوزراء على أن هذه التجربة ما زالت في بداياتها، وهي آخذة في النمو والتكامل سنة بعد سنة. متمنّين أن تصبح يوماً ما حكومة الظل مؤسسة حكوميّة تابعة للدولة، تستضاف خارج «نهار الشباب»، وذلك لتكون أكثر شرعيّة.

الاربعاء 24 شباط 2010

جريدة السفير

الكاتب: Hanibaael

Writer. Content Creator & Fire Performer

رأيان حول “«حكومة الظل»: أسئلة حول التأسيس والتمثيل.. والعلاقة مع «نهار الشباب»”

أضف تعليق