“شيوعيين كنّا”: تأريخ لجيل الأمل والخيبة!


“شيوعيين كنّا”. وثائقي، من إخراج ماهر أبي سمرا، يؤرّخ لحقبات من الأمل والانتصار والخيبات. آمال جيل بأكمله آمن ببلاد تسودها الحريّة والديمقراطية. بلاد شعبها محرّر، وأرضها أيضاً.

يُضيء الوثائقي، على تجارب أربعة من الشبان الذين عايشوا المرحلة الذهبيّة للحزب الشيوعي اللبناني، الذي كان أبرز اللاعبين في الحرب الأهليّة. شبّان من مناطق ومذاهب مختلفة. الجوّ السائد في البلاد حينها، و”تحزّب” عائلاتهم، امّن لهم الظروف المناسبة للإنخراط في صفوف الحزب، والانتساب إليه.

source: BBC

يروي الشبان الأربعة، وهُم  رئيس القسم السياسي في جريدة «السفير» حسين أيوب، رئيس مجلس إدارة جريدة «الأخبار» إبراهيم الأمين، المهندس المعماري بشار عبد الصمد، والمخرج ماهر أبي سمرا.

حقبات مفصليّة في علاقتهم مع الحزب، ومع البلاد. يتّفقون على أنّ الحزب كان بيتهم. أما الإجتياح الاسرائيلي للعاصمة بيروت في 1982، فكان أشبه بـ”العمادة” لهم. ومشاركتهم في أعمال المقاومة الوطنيّة ضد جيش الاحتلال في شوارع المدينة، التي قاتلوا فيها ضد الميليشيات الباقية.

ولكن حقبة ما بعد تحرير بيروت، انخرط الحزب الشيوعي أكثر في الحرب الأهلية، لدرجة أنّ عبد الصمد أباح “كنّا نشعر أننا، الشيوعيين والعلمانيين، كنّا نُستخدم من قِبل الطوائف. كنّا أداة لهُم”. وهذه الإشكاليّة ليست إشكاليّة حرب فقط. فهي إشكاليّة سلم أهلي أيضاً. إذ أنّ العلمانيين في حقبة ما بعد الحرب لم يتحوّلوا ليصبحوا مشروعاً ناضجاً لديه رؤية وخطاب سياسي متين، بل جلّ ما قامت به الأحزاب العلمانيّة، هو الإنخراط في معسكرات الطوائف والإنضواء تحت عبائتها، حاملة خطابات الطوائف ومدافعة شرسة عن “الواقع”.

في شوارع بيروت - by Hanibaeal

أما حقبة الخيبات، فهي التي عبّر عنها أيوب في سياق الوثائقي، بقوله “نحن في عصر التراجع. تراجع عالمي لليسار بعد انهزام الدب الأحمر السوفياتي. وبالتالي انحسار لليسار اللبناني. صعود الأصوليّة الدينيّة”.  وهو فعلاً كذلك، إذ تحوّل الحزب الشيوعي اللبناني، بعد انتهاء الحرب الأهلية، إلى حزب يعيش على هامش الحياة الإجتماعية والسياسيّة. ويُشهد له عدم انخراطه في الخنادق الطائفية، رغم اقترابه من إحداها، ومحاولته التمايز عبر خطابه السياسي، ولكنّه فشل أن يرقى إلى مستوى تطوير آليّات عمله وخطابه العالق في سبعينيّات القرن الماضي.

وقد يكون “شيوعيين كنّا” أكثر دقّة وتعبيراً عن حال هؤلاء الأربعة، وأكثر تعبيراً عن حال الحزب الشيوعي واليسار اللبناني ككل. فيقول الأمين في الفيلم “في الحزب الشيوعي صندوق أمانات. عند الدخول إلى الحزب، تضع في الصندوق عائلتك، طائفتك، تقاليدك. وعندما تخرج منه تسترجعها. اليوم، يوجد الشيوعي الشيعي، الشيوعي الدرزي، الشيوعي المسيحي”. وتُلخّص هذه العبارة حالة الحزب الشيوعي في حقبة ما بعد 2005. إذ انقسم الحزب إلى مجموعات سياسيّة متنوّعة، منها من أخذ الخيار حينها بالإنضمام إلى خيارات الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي كان من أبرز قياديي حركة 14 آذار، وانشقّوا عن الحزب المركزي، وعُرفوا حينها بـ”شيوعيو الجبل”. وأيضاً، اقتراب شيوعيو الضاحية الجنوبية لبيروت إلى خيارات حزب الله السياسيّة، وهكذا..

كما وتختصر حال هؤلاء الأربعة المشهد على رقعة الميكرو. هُم مزيج من الشيوعيّة وخيارات الطوائف السياسيّة. الأمين وأيوب، اللذان عرّفان على أنّهما من الطائفة الشيعية، في بداية الفيلم، يرون أنّهم منجذبون إلى حزب الله كونه يُقاوم إسرائيل. وهذا أكثر ما يُجسد الخيبة لليسار اللبناني. ففي أوائل الثمانينات، تشكّلت “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية”، التي قادتها أحزاب علمانية، من بينها الحزب الشيوعي اللبناني. ولكن لاحقاً، تم تصفية المقاومة الوطنيّة، عبر اغتيال الكوادر الفكريّة والسياسيّة والعسكريّة لها، من قِبل المخابرات السورية والحرس الثوري الإيراني، بمساعدة حزب الله الذي كان في بداياته. وهكذا بدأت المقاومة الوطنيّة تتحوّل إلى مقاومة دينية- طائفيّة محصورة بيد حزب الله.

أما عبد الصمد، الذي أصبح موظفاً في وزارة المهجرين، التي كانت من حصة الزعيم الدزري وليد جنبلاط، فهو وإن لم يعترف بأنّه في الخندق السياسي لجنبلاط، فقد رضخ للأمر الواقع، بأنّ الحزب الشيوعي انتهى. والجميع عادوا إلى طوائفهم.

بينما ماهر أبي سمرا، الذي عرّف في بداية الفيلم بأنّه سنّي، فقد أنهى وثائقه بأنّه يبحث عن بيت الآن. بعد أن فقد بيته الاجتماعي-السياسي، أي الحزب الشيوعي، عليه البحث عن بيت- مسكن فالمبنى الذي يقطنه في حي طريق الجديدة سيتم تدميره. وهكذا، يستمر أبي سمرا في رحلته، لاجئاً، باحثاً عن مأوى بعيداً عن الخيارات الطائفية التي لم تجذبه كرفاقه القدماء.

الكاتب: Hanibaael

Writer. Content Creator & Fire Performer

3 رأي حول ““شيوعيين كنّا”: تأريخ لجيل الأمل والخيبة!”

  1. رائع يا رفيقي
    ولكن لاحقاً، تم تصفية المقاومة الوطنيّة، عبر اغتيال الكوادر الفكريّة والسياسيّة والعسكريّة لها، من قِبل المخابرات السورية والحرس الثوري الإيراني، بمساعدة حزب الله الذي كان في بداياته. وهكذا بدأت المقاومة الوطنيّة تتحوّل إلى مقاومة دينية- طائفيّة محصورة بيد حزب الله.

    إعجاب

  2. أنا بعتقد إنو السنديانة الحمرا ضربت جذورا بالأرض هلأ بحال الرفاق الأربعة تخلو فالمسيرة كملت ..وكلنا بنعرف إنو ترهل التنظيم بالعشر سنين الأخيرة وإذا بدك طلوع من بعد الطائف لإنو الرجعية العربية قسمت البلد بشكل بيناسب الطوايف و ضاع بالقصة الشيوعي اللبناني متل السوري متل غيره من اللي كانوا ناطرين الإشتراكية تيجي من ديات السوفييات لما كانوا السوفييات بلحظات التراجع الأخيرة ولما كانت البيروسترويكا ضربت ضربتا و وجعت بجسم المارد الأحمر السوفياتي..
    بعتقد لحنا اليوم عم نعيش لحظات مد ثوري …نتيجة إذا بدك الأزمة الاقتصادية العالمية اللي تحولت لأزمة سياسية بتتجلى بعدم قدرة الماكر الأميركي على دعم الأنظمة لمدى أبعد ف دول الأطراف تدريجياً رح تسحب البساط من تحت المارد ..
    ف اللحظة لحظة مد ثوري حتى لو تخلفنا ك شيوعيين عنا و حتى لو ما قريناها صح
    تحياتي ” صديق”

    إعجاب

أضف تعليق