دانتي والجحيم الجميل


لا أعرف ما هو الفردوس، ولكن لديّ فكرة عامة عن شكله، خصوصاً وأنّه في العقد الأخير أصبحت الجنّة ليست مجرّد يوتوبيا بعيدة، بل جزء من أحاديث ونقاشات يوميّة تدور حولنا، إن كان في الحياة أو في العالم الإفتراضي، حيث نرى المتلهّفين للذهاب إلى الجنّة وكأنّهم في سباق محموم للحصول على مقعد هناك.

عشّاق الفردوس السماوي أعدادهم هائلة، وهُم موجودون في كل مكان، يملأون الجامعات، الشوارع، الباصات، المكاتب، المصانع، وطبعاً هُم دائماً وقود الحروب العبثيّة هنا وهناك.

لأكون واضحاً، لا املك مشاعر تجاه هؤلاء الباحثون عن الجنّة المليئة بالنساء الفاتنات، والخمر الذي لا يُسكر، وأنهار العسل واللبن، فهذا حق من حقوقهم البديهيّة أن يحملوا تلك الآمال خصوصاً وأنّ الحياة على هذا الكوكب ليست “أكلة طيبة”. وفي المقابل، اتفادى أن أكون مُحاط بتلك الفئة من الناس، أو أن أكون على تماس معهم، لذا أحاول جاهداً أن لا أدخل بنقاش مع هؤلاء، أو التحدّث معهم، وطبعاً ليس من بين أصدقائي من الساعين للجنّة.

وأيضاً، عن ماذا سأتكلّم مع هؤلاء الموعودون بالجنّة؟ ليس هناك ما يجمعني معهم، سوى أننا نعيش على الكوكب نفسه، وهذا ليس سبباً كافياً لنتحدّث، وطبعاً ليس سبباً ليقود إلى صداقة عميقة. لا أجد نفسي قريباً من أناس يحملون أجوبة معلّبة عن الحياة، وما بعد الحياة. أشعر بأنّهم مملون، وقاتلون لشغف الاختبار. أشعر بمللهم يتسرّب إلى مساماتي، وشراييني. اتخيّلهم يقتلون ما تبقى من نشاط في أوعيتي الدموّية. احتضر في حضرة هؤلاء!

لم أحلم يوماً بمقعد دائم في الجنّة، ومنذ وقت بعيد حجزت مقعدي في الجحيم الأبدي. ليس بالضرورة أن تكون فكرتي عن الجحيم صحيحة. لدي إيمان عميق بأنّ نظرتي للجحيم تشبه الجحيم، وتتماهى به. فهي غير واقعيّة، وغير حقيقيّة، كالجحيم تماماً.

الجحيم هو ذلك المكان الجميل، حيث نلتقي بأحباء يسكنهم الشغف والفضول باكتشاف أعماق الكون وأبعاده. ورغم أنّي لا أحبّ الازدحام، وأفضّل الامكنة الغير مغلقة، سنستمتع باحتساء الجاك دانيالز هناك.

منذ أشهر، دخل عنصر الجاز إلى الجحيم، فهناك، الخلفيّة الموسيقيّة للمكان هي الجاز الكلاسيكي، حيث الآت النفخ والإيقاع تحتل الفضاء العام. وطبعاً عشّاق الروك والـ”هيفي ميتل” سيكون لهم حصّتهم من المتعة الصوتيّة.

الجحيم واسع، ولكنّه لا يتّسع للجميع.

الكاتب: Hanibaael

Writer. Content Creator & Fire Performer

4 رأي حول “دانتي والجحيم الجميل”

  1. لا تنسى أن تحجز لي مكان جنبك. فالمتعة ومغامرة الإختيار موجودة في “الجحيم”. أما الجنة فمملة تماماً كهؤلاء المؤمنين بها.

    إعجاب

  2. لايوجد عندي أي دافع لأكون بالجنة مع المعتوهين الذين يريدون الذهاب اليها. حيث يكون كل الملعونون، اريد أن أكون.

    إعجاب

أضف تعليق