اسئلة إلى حملة “استرجاع مجلس النواب”


هل الحملة المدنيّة “Take Back parliament ” – “استرجاع مجلس النواب”، التي أطلقها عدد من الناشطين والناشطات في لبنان هي سقطة اخرى من سقطات المدنيين؟

لا أريد أن أبدو متشائماً، أو مُحبطاً للجهود التي يبذلها الناشطون والناشطات، ولا أريد أن أبدو كمن يضع العصي في الدواليب أمام أي عمل مدني يحمل نوايا حسنة تجاه المجتمع. ولكنّي في ذات الوقت، ومن باب الحرص، لا أستطيع كمدوّن وناشط أن لا أناقش ما يصدر عن مجتمع الناشطين في لبنان، خصوصاً وأنّ قلّة قليلة من المدونين والناشطين تقوم بنقد ما يصدر عن المجتمع المدني، أما الأغلبيّة الساحقة، فهي مهللة ومرحّبة بشكل دائم، وكأنّ كل شيء نقوم به غير قابل للنقاش.

شعار حملة “استرجاع مجلس النواب”

يُمكن تلخيص أهداف حملة “استرجاع مجلس النواب”، بهذه الفقرة المأخوذة من بيان “2013 سنة المستحيل” الصادر عن الحملة:

(…)بالرغم من فساد وعدم كفاءة النظام الانتخابي، يمكننا ان نجد خيارا آخر.بالرغم من التقسيم الطائفي للمناطق اللبنانية والحصص المذهبية المخصصة للمقاعد النيابية، يزال في استطاعتنا أن نضع أجندة مشتركة للتغييردعونا ننتخب أشخاصاٌ كفوئين وملهمين جدددعونا نخلق إئتلافاٌ وطنياٌ مكوناٌ من مرشحين فعالين، يناصرون برنامجاٌ علمانيا يعنى بالقانون المدني وبالعدالة الاجتماعية والاقتصاديةدعونا ننتخب مرشحين مستقلين لديهم أفكارا والتزامات جديدةدعونا ندعم الأشخاص الذين لا فرصة لهم في النجاح عادةً، كالنساء، الشباب و العمّالهؤلاء الذين لا نسباء لهم في البرلماندعونا نحاسب ممثلينا من النوابدعونا نخلق ثورة في النظام الانتخابي.لنخلق حملة إنتخابية تذهل الأجيال القادمةكي نتذكر الى الأبد أننا استرجعنا البرلمان في ذلك الصيف بالرغم من كل الصعوباتعندما قال الجميع أن ذلك بمستحيل! (…)

(…)هل من الممكن أن نجمع أشخاصا لديهم من الذكاء والالتزام الكافيان لمجابهة ملايين الدولارات من الرشاوي؟ هل بمقدورنا كسر حاجز الخوف و الترهيب؟ هل يقدر شعبنا أن يؤمن بنفسه وبقوته من جديد؟(…)

هنا بعض النقاط التي لا بدّ من مناقشتها، وبعض الأسئلة التي يجب أن تُطرح على هذه الحملة والحملات المشابهة:

أولاً: بغض النظر عن كون القانون الانتخابي في لبنان مازال قانوناً متخلّفاً، فهو ليس المسؤول المباشر عن وصول الزعماء التقليديين وقادة الميليشيات إلى مجلس النواب، هذا إذا ما اعتبرنا أنّه يوجد حياة برلمانيّة في البلاد. من يحكم البلاد لم يأتي من مكان ما من وراء الغيوم، ولم يأتي من الخارج. بل هو تعبير حقيقي عن الواقع الذي نعيشه.

تملك الأحزاب الطائفيّة كتل برلمانيّة كبرى، وتُختصر البلاد ببضعة زعماء طائفيين لهم تاريخهم الطويل في الإجرام ليس لأنّهم يُرهبون أتباعهم أو يرغبونهم عبر دفع الأموال لهم. لهذه التركيبة سياق تاريخي – ثقافي- اجتماعي أبعد من أن تُختزل بإلقاء اللوم على الناس الطائفيين.

هذا يُعيدنا إلى المربّع الأوّل. وهو إعادة قراءة التركيبة اللبنانيّة بمنظار مختلف، بمنظار قادر على تفهّم واقع الطوائف (وهواجسها) كمجموعات ثقافيّة- تاريخيّة، وليس مجرّد أشكال سياسيّة ستنهار مجرّد فقدانها مقاعد في مجلس النواب.

ثانياً: هل أصبح الناشطون قوّة انتخابيّة قادرة على إحداث تغيير في الشكل السياسي للبلاد عبر إيصال علمانيين ومدنيين إلى الندوة البرلمانيّة؟

الجواب هو كلا. هذا الجواب يعرفه على الأرجح الجميع، بما فيهم مطلقو المبادرة. وإن كان كذلك، فلماذا إذن تمّ إطلاق الحملة، ومن أجل ماذا؟ هذا السؤال أطرحه:

لأنّ الكثير من الطاقة سيتم إهدارها على حملة خاسرة سلفاً. والكثير من الوقت (مئات الساعات؟ الآلاف؟) سيتم تضييعه على حملة لن تقدّم أو تؤخّر. في حين أنّ هذا الوقت وهذه الطاقة يُمكن استخدامها في مشاريع أكثر حقيقيّة،وأكثر التصاقاً بالناس.

من المسيرة العلمانية 2012

وإذا ما كان الجواب نعم. فما هو التغيير السياسي – القانوني الذي سيُحدثه هؤلاء النوّاب، علماً أنّ القوانين والتشريعات الحسّاسة في البلاد تخضع لإرادة الطوائف، سياسيّيها، ميليشياتها، وحرّاس هياكلها.

هنا يحضرني مثال الجمعيّة اللبنانيّة لديمقراطيّة الإنتخابات التي حققت العديد من الإنجازات في القانون الإنتخابي، ولكن هذه الإنجازات تنحصر في شكل القانون وليس في جوهره. وطبعاً هذه الإنجازات لم ولن تمنع وصول الديناصورات الطائفيّة إلى البرلمان. هؤلاء يأتون من الناس، وليس من القانون.

هل نبحث عن تغيير في الشكل السياسي للبلاد؟ أم إحداث تغيير في البنية الإجتماعيّة- الثقافيّة للمجتمع؟

ثالثاً: عندما شاهدت البيان التأسيسي لحملة “استرجاع مجلس النواب”، تذكّرت “حملة إسقاط النظام الطائفي ورموزه”، التي قمت أثنائها، إلى جانب عدد آخر من المدونين/الناشطين والناشطات، بانتقادها عبر مقالات ونقاشات على المدوّنات وصفحات الفايسبوك.

حينها تم التعامل معنا، من قبل مسؤولي الحملة، على أساس تخويني، لم يناقش أحد ما طرحناه، ولم يجب أحد على أي من الأسئلة التي سألناها. بعد عدّة أشهر، انطفأت الحملة، وخفت صوتها. تبخّرت وكأنّها شيئاً لم يكن. عندها، لم يتحمّل أحد مسؤوليّة تفويت فرصة تاريخيّة على البلاد لتأسيس جو علماني اجتماعي، ولم يتحمّل أحد مسؤوليّة ضياع جهود وطاقات لو تمّ توظيفها في رؤية واضحة لكنّا شاهدنا ثمارها في سنوات قليلة. وأيضاً مسؤوليّة إحباط جيل محتمل من الناشطين، الذين عادوا إلى بيوتهم دون تحقيق أدنى إنجاز.

هل تكون هذه الحملة الجديدة نسخة عن الحملة القديمة؟

رابعاً: نُعاني كمجتمع ناشطين وناشطات من مشاكل عديدة. لا أريد الغوص في كل تلك المشاكل، ولكن سأكتفي في هذا النص بالإضاءة على مشكلتين بنيويّتين:

–          سيطرة الحماس اللحظي والنفس القصير: يحضر الحماس اللحظي في كل المبادرات، والمشاريع التي نطلقها. ما إن تحضر فكرة جيّدة لدى مجموعة من الناشطين، يتحمّس الجميع من أجل تنفيذها. في الاجتماع التحضيري، يكون عدد الحاضرون قرابة عشرة ناشطين. ولكن بعد أسابيع قليلة، ينخفض هذا العدد تدريجيّاً، لتختفي بعدها المبادرة أو الحملة، وتذهب في أدراج الرياح. وهكذا تُصبح القضيّة جزءاً من الماضي، ومجرّد صفحة ميّتة على الفايسبوك.

من حملة اسقاط النظام الطائفي

هذا الحماس حاضر بقوّة بين جيل الناشطون القديم نسبيّاً، وهو يتسرّب إلى المجموعات الحديثة التي تنتظر التغيير بين ليلة وضحاها، وكأنّ التغيير هو كبسة زر نكبسها عندما نكون بحماس شديد.

هذا لا يعني أنّه يجب الاستغناء عن الحماس، أو تركه في بيوتنا عندما نقوم بمشاريع تغييريّة. نحن بحاجة إلى الحماس، ولكن بحاجة إلى حماس من نوع آخر: الحماس على المدى البعيد. الحماس للمشاريع التي يلزمها سنوات طويلة لتحقيقها. وهذا ما يلزمه صبر نفتقد إليه في هذه الأيّام.

كم من مبادرة أطلقت خلال السنوات العشر الأخيرة، التي سمعت عنها أو شاركت فيها وأختفت بعد حين دون تحقيق أي إنجاز؟

–          غياب الرؤية والتخطيط والتنظيم: نحن، كمجتمع ناشطين وناشطات نعمل على إحداث تغيير حقيقي في مجتمعنا، نفتقد إلى الرؤية. علينا أن نعترف بذلك. وقد تكون بعض المنظمات المدنيّة، كالحركة المثليّة تحمل أهداف ورؤية واضحة لعملها، ومكان وجهتها، ولكن أغلب المنظمات الأخرى والمبادرات المستقلّة التي تصعد بحماسة كل فترة، وتختفي بعد حين، تغيب عنها الرؤية والتخطيط والتنظيم.

غياب الرؤية يعني العمل بالجزئيّات، وردّة الفعل. وهذا ما أدّى ويؤدّي إلى غرق العمل المدني في لبنان بالدوّامات التي لا تنتهي، عبر تكرار ذات النماذج بأشكال مختلفة، مثل الذي يقوم بذات الفعل مع توقّع نتائج مختلفة.

علينا الخروج من الجزئيّات التي ادّت إلى بعثرة جهودنا، طاقاتنا، وأضاعت بوصلتنا، لنؤسس لرؤية وخطّة منظّمة نعمل من خلالها. حان الوقت لننظر إلى واقعنا بمنظار آخر، ومختلف. علينا كسر القوالب التقليديّة في عملنا، وأن ننتقل إلى مستوى آخر من التفكير، التخطيط، والتنفيذ.

قد يكون للحملة جوانب إيجابيّة، ولكنّها في ذات الوقت ستحمل إحباط آخر لمجتمع الناشطين، وتضييع فرصة اخرى من أجل بلورة رؤية واضحة نحن بأمسّ الحاجة إليها اليوم.

نحن بحاجة لرؤية وتخطيط، وليس إلى مبادرات هنا وهناك.

الكاتب: Hanibaael

Writer. Content Creator & Fire Performer

5 رأي حول “اسئلة إلى حملة “استرجاع مجلس النواب””

    1. تحياتي نادين،
      مية بالمية! ونحن بحاجة للانتقال من المبادرات المحدودة نحو بلورة رؤية بعيدة المدى، تكون فعاليتها وطريقة عملها مختلفة عن اللي عم نعملو اليوم.

      خلينا نضل نشوفك هون 🙂

      إعجاب

  1. هذا يُعيدنا إلى المربّع الأوّل. وهو إعادة قراءة التركيبة اللبنانيّة بمنظار مختلف، بمنظار قادر على تفهّم واقع الطوائف (وهواجسها) كمجموعات ثقافيّة- تاريخيّة، وليس مجرّد أشكال سياسيّة ستنهار مجرّد فقدانها مقاعد في مجلس النواب.

    حبيت هل جملة صراحة 🙂

    إعجاب

أضف تعليق