فلسطين: العنف أضاع البوصلة!


سلسلة النضال السلمي: الطريق إلى الحريّة

الجزء الحادي عشر: فلسطين، العنف أضاع البوصلة!

فلسطين. هناك، يحتدم النقاش حول العنف واللاعنف في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي الدموي. هي القضيّة الأكثر جدلاً. “هل نلقي السلاح جانباً، بينما الإسرائيلي يمتلك أعتى أنواع الأسلحة يُدمّر بها مُدننا وقرانا، ويقتلنا يومياً؟”. سؤال يُطرح فور الحديث عن المقاومة المدنيّة السلميّة في وجه الإحتلال. هو سؤال يحمل في طيّاته الإجابة التي يُريدها طارحه. أما في المقابل، فأسئلة كثيرة.

بالتأكيد، لن يكون هذا النص كافياً ووافياً لإحاطة الموضوع الفلسطيني من جوانبه كافة. لكنه سيحمل بعض الأجوبة على هذا السؤال، بالإضافة إلى طرح أسئلة جديدة والإضاءة على بعض الحقائق المرتبطة باللجوء إلى المقاومة المدنيّة السلميّة في فلسطين خلال فترات متقطّعة. خصوصاً “إنتفاضة الحجارة” الأولى التي تُعتبَر أكثر التجارب الفلسطينيّة المقاومة في وجه الإحتلال، نجاحاً وفعالية. فهي التي قادت هذا الإحتلال إلى الاعتراف، وللمرّة الأولى، بـ”وجود” شعب فلسطيني على أرض فلسطين. هذه الحقيقة التي لطالما نبذتها سلطات الإحتلال طيلة عقود.

في هذه الحلقة، قد تتكرّر أفكار كثيرة عالجناها في حلقات سابقة، ولكن تكرارها يأتي هذه المرّة في سياق المواجهة مع الإحتلال.

قبل أن نبدأ، لا بدّ من تحديد الهدف من المقاومة. هل تهدف المقاومة إلى تحرير الأرض؟ أم قتل بضعة جنود ومستوطنين؟

ولماذا تحديد أهداف المقاومة؟

– لأن تحديد الغاية من المقاومة يُساعد على عدم إضاعة البوصلة في متاهات القتل والقتل المضاد.

– لأن تحديد الهدف يُخرج الصراع من زواريب “المراجل” والخطابات الرنّانة الممجّدة للعنف كأنه الغاية بحدّ ذاته، وذلك بهدف وضع المقاومة على سكّتها الأولى: تحرير التراب الفلسطيني وقيام دولة فلسطينية ديموقراطية علمانية، يعيش فيها الجميع متساوين في الحقوق والواجبات.

– لأن تحديد هدف المقاومة من شأنه أن يؤدي إلى إيجاد حلّ حقيقي وواقعي وعادل للصراع، بعيداً عن الأيديولوجيّات العنفيّة التي تعيش على العنف وتتغذى منه لتستمرّ به.

***

الإحتلال بحاجة إلى طاعة وتعاون الشعب الذي يحتلّه. طاعة وتعاون، يمكّنانه من الاستمرار. وهذا التعاون هو نفسه الذي يحتاج إليه النظام الدكتاتوري، كي يستمرّ في حكمه. هنا، تتشابه المواجهة مع النظام ومع الإحتلال. وقد تكون “إنتفاضة الحجارة” التي خاضها الشعب الفلسطيني في وجه الإحتلال أبرز نماذج سحب التعاون معه.

وكما أن الأنظمة تحترف العنف، لا يحترف الإحتلال سوى العنف في مواجهة من يقاومه. وبالتالي، فإن استخدام السلاح في مواجهته لن يكون سوى خضوع لوسائل المواجهة التي يفرضها الإحتلال نفسه واللعب على الأرض التي يفضّلها هو. وتجدر الإشارة هنا إلى أن جيش الإحتلال الاسرائيلي مُجهّز بتكنولوجيا عسكريّة متطوّرة. أما لجوء الشعب إلى وسائل نضاليّة لاعنفيّة، فيعني فرض قواعد لعبة جديدة في معركة لا يملك فيها الإحتلال سلاحاً يمكّنه من المواجهة.

***

ما هي أهداف المقاومة؟

“العنف هو الطريق الأقصر في معركة التحرّر والتحرير”.. مقولة، كثيراً ما يردّدها مناصرو العنف ضد الإحتلال، إلا إنها أثبتت فشلها تاريخياً. بعد ستة عقود من استخدام السلاح ضد الإحتلال و”عسكرة كل شيء”، ما هي النتيجة؟ باستثناء خسارة الفلسطينيين أرضهم وحقوقهم تدريجياً، بالإضافة إلى انهيار الأحلام الكبرى بتحرير فلسطين.. لتصبح تلك الأحلام أصغر فأصغر؟ كلّ شيء تقلّص. فلسطين التي كانت تمتد من النهر إلى البحر، تحوّلت إلى مجرّد “ضفّة” و”قطاع”، تتوزّع سلطتيهما فصائل حكمت وما زالت تحكم بفاشيّة لا تختلف كثيراً عن فاشيّة الإحتلال.

أما أقصى طموحات “المقاومة” وإنجازاتها، فقد تتلخّص بالآتي:

– آمال بوقف الإستيطان.

– فتح معبر من هنا أو من هناك، ليتمكّن الفلسطيني من الانتقال إلى مدينة فلسطينية أخرى.

– إطلاق صاروخ على إحدى المستوطنات، ليثير الذعر ويدمّر أحد الأرصفة في مدينة إسرائيليّة.

– إرسال “انتحاري” بصفة “استشهادي”، ليُفجّر جسده في مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين ويسقط أكبر عدد ممكن من القتلى والجرحى.

– القيام بعمليّة عسكريّة “نوعيّة” تؤدّي إلى قتل بعض الجنود هنا وهناك. وقد يكون الهدف أحياناً مجموعة من المستوطنين.

طفل فلسطيني يقاوم بالحجارة دبابة الاحتلال

من المؤكد أنه لا يُمكن العثور على “فلسطين” في تلك الأعمال، كلّها. فهذه أحداث مجتزأة، سياقاتها خارج فلسطين. أما أهدافها، فلن تقود بالطبع إلى فلسطين. وتقوم حركات “المقاومة” بهذه الأعمال، وكأن القضيّة تكمن هنا.. علماً أن عمليّات القتل هذه “لا تقدّم ولا تؤخّر” في جوهر الصراع، بل تؤدي إلى استمرار دوّامة العنف التي سيطرت على وجه الصراع حتى هذه اللحظة. إلى ذلك، فإن هذه الأفعال تُجابَه من قبل الإحتلال بردود فعل تدميريّة، وبالطبع غير متناسبة مع حجم “الضرر” التي تحدثه “المقاومة”.

ورداً على كل عمليّة من هذا النوع، يقوم جيش الإحتلال الاسرائيلي بتدمير بيوت المدنيين وقتلهم، عبر شنّه غارات جويّة على المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربيّة وقطاع غزّة. وبحجّة استخدام العنف من قبل “المقاومة”، تستحصل إسرائيل على شرعيّة قتل المدنيين من مواطنيها ومن المجتمع الدولي، والهدف: “الدفاع عن النفس”.

من جهة، اتّبعنا مقولة “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”. فسيطر التوتّر على علاقتنا مع الصراع. ولم نشأ البحث، ولو نظرياً، عن مخارج أخرى للقضيّة، فرحنا نرفض الاعتراف بإمكانية إيجاد وسائل لاعنفيّة للمقاومة. من الجهة المقابلة، يمضي الإحتلال بقضم يومي لحقوق الفلسطينيين من دون أن يتراجع قيد أنملة، مُسيطراً على قواعد اللعبة في الصراع، خصوصاً وأننا نستخدم في مواجهته اللغة التي يتقنها هو: “لغة العنف”.

هكذا، دخل الصراع في دوّامة لا تريد أن تنتهي. ويبدو أنها لن تنتهي في المدى المنظور.

***

سيطرة العنف على الصراع، لا تعني خلوّ التجربة الفلسطينية من المقاومة المدنيّة اللاعنفيّة التي كان لها آثارها الفعّالة في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي. في الحلقة المقبلة، سوف نلقي الضوء على تجربة “إنتفاضة الحجارة” اللاعنفيّة التي قامت عام 1987 والتي تخلّلها بعض أعمال عنف محدودة. كذلك، نضيء على “إنتفاضة الأقصى” التي انطلقت عام 2000 وكانت عنفيّة في مجملها.

الكاتب: Hanibaael

Writer. Content Creator & Fire Performer

3 رأي حول “فلسطين: العنف أضاع البوصلة!”

  1. مقال جيّد جدا هاني.
    فعلا، كتار اللي مش عم ينتبهوا إنو إسرائيل هوايتها تشغّل هالجيش الزهقان عالحدود من فترة للتانية لأهداف كتيرة، خصوصا إنو هالفترة الحرجة للحكومة اللي قايمة ضدّها المظاهرات.
    قصر النظر اللي بعدو عنا وبعدو بعقول مقاوماتنا المحدودة، كل هالسنين من الاحتلال، مؤسف وبيوجّع القلب.
    ما حدا شايف كيف إنو فش إشي كل هالسنين جامع “المجتمع الإسرائيلي” مع بعضو ومع حكومتو، قدّ صفارات الانذار!

    إعجاب

    1. عبير، 🙂

      بهيدا التعليق اختصرتي كل الفكرة.. دايماً بتجي وبتحطي سطرين بتلخصي كل الفكرة. جميل 🙂

      حان الوقت نعرف انو العنف هو لمصلحة الاحتلال ومش العكس؟

      ع الاقل، صار في مساحة، ولو زغيرة، نقدر نطرح هيدي الفكرة بلا ما نصير “عملاء”، و”خونة”..

      تحياتي عبير الجليل 🙂

      إعجاب

أضف تعليق