رسالـة إلـى مصـوّر فوتوغرافـي فـي بيـروت


هاني نعيم

عزيزي المصوّر الفوتوغرافي،
قبل خروجك من منزلك، تأكد من أن كل أوراقك الثبوتيّة في حوزتك. هويّتك، إخراج القيد، وثيقة ولادة. وحاول الحصول، في أقرب وقت ممكن، على شهادة حسن سلوك من المختار تؤكّد أنك حسن النوايا تجاه كل ما هبّ ودبّ على الكوكب. وأنّك مواطن أليف.
في تجوالك بأرجاء المدينة، وأثناء استعدادك لالتقاط صورة، ستتعرّض في هذه اللحظة لعدد من التوقيفات، من أجهزة أمنيّة مختلفة، لها أهداف مختلفة طبعاً. وهي على الشكل الآتي:

جهاز مخابرات رسمي: تنبّه أين توجّه عدستك، وحاول أن لا تصوّر، ولو عن طريق الخطأ أي دركي على إحدى إشارات السير، فهذا ما قد يستثير الجهاز العصبي لبعض رجال الأمن المرتدين للملابس المدنيّة، التابعين للكيان اللبناني، والواقفين عند الزوايا. أما مهنتهم، فلم تعد فقط «تلطيش» صبايا المدينة، بل أضيف إليها منذ خروج الجيش السوري من البلاد، مهمّات أخرى تُتصف بالثانوية كالحفاظ على الأمن، وتوقيف المصوّرين.. والتحرّش بالعمال السوريين أمام المارّة.
هؤلاء لا تعرف إن كانوا تابعين لجهاز أمني رسمي أم ميليشياويين يعملون مع إحدى الطوائف. يطلبون، بكل فجاجــة، بطــاقة الهويّة منك. يشاهدون جميع الصور التي التقطتها. فأنت قد تــكون صوّرت مبـنى وزارة، أو درّاجــا ما، لتقــوم بأعمال قد تكون منافية للسلم الأهلي.
جهاز مخابرات مخصخص: هذا الجهاز هو عبارة عن شبكة شركات أمنيّة خاصة نمت كالفطريّات بعد انتشار الخوف في شرايين البلاد، وفقدان الثقة بين مجموعاتها البشريّة. فأصبحت كل مؤسسة تلجأ لحماية ذاتها عبر تلك الشركات التي تجنّد الفقراء للقيام بهذا العمل. هؤلاء «الأمنيون» يمكن وصفهم بالهواة، إذ يفتقدون للحد الأدنى من المهارات التي يجب أن تتوافّر في أي شخص تُسند إليه مهمّة حماية «شيء ما»، لذا تبدو ملامحهم طفوليّة وبريئة عندما يسألونك «ماذا تصوّر؟. لماذا تصوّر؟» أو يقولون لك بلهـجة مغرورة «ممنوع التصوير هنا!».
أجهزة مخابرات حزبية: دخلت هذه الأجهزة إلى المدينة بشكل علني بعد أحداث العنف الطائفي المسلّح في 7 أيار 2008. أقامت بعض المربّعات الأمنيّة المستحدثة في بعض الأحياء. وبالتالي محاولة التصوير في أحد تلك الأزقة، يعرّضك لاتهامات كثيرة.
فالصور التي تلتقطها قد يقوم العدو الغاشم باستغلالها، ومن خلالها سيقوم بإنزالات كوماندس في هذه الأحياء التي تحوّلت إلى «منطقة عسكرية» على حد تعبير أحد «عناصر» هذه الأجهزة.
***
هناك من يشبّه الكاميرا بالبندقيّة. يعتبرها شكلاً من أشكال السلطة، إضافة لقدرتها على كشف الواقع وتعريته. من هنا، يُمكن فهم سبب كره هؤلاء لعدسة الكاميرا، وإيقافهم لكل من يحمل الكاميرا في شوارع المدينة، واعتباره مشتبها به، حتى تثبت براءته.
هكذا، عزيزي المصوّر، مهمّتك في غابات بيروت محفوفة بكل أشكال التهم والاستجواب، وكأنك في غرفة تحقيق واسعة. فاحترسوا!

الاربعاء 19 أيار 2010

جريدة السفير

الكاتب: Hanibaael

Writer. Content Creator & Fire Performer

5 رأي حول “رسالـة إلـى مصـوّر فوتوغرافـي فـي بيـروت”

  1. هههههههه..كلامكْ سليم!
    بس نسيت تنصح بحمل جواز السفر ورخصة السواقة والتأمين الصحي والصريح الأمني وعدم الممانعة للتصوير من احدى العمداء

    إعجاب

  2. عوافي أبو الهن
    يعني المرة مش موافق ع الفكرة أبداً والمبالغة كمان بتزيد الطين بلّة…
    ما بدّها هالقد بالمرة، بكل دول العالم هالأشيا عليها رقابة، وبفرنسا بتصير حوادث من هيدا النوع، بتذّكر حادثة صارت معي…
    يعني كمان مرّة، كمان شخصياً مع مراقبة كل حدا عم يصوّر، لأن هالأشيا يل عم تتصور ممكن تضر بأطراف شتى من حيث يدري المصوّر او لا يدري…
    في قاعدة بال ethics بتقول بما معناه no free lunch rule
    يعني معليش كمان المصوّر يسمحلنا فيها المصوّر، مش كل الأشيا يل ممكن يشوفها ممكن يصوّرها وينشرها بكل بساطة لأنها مش ملكه…

    وبذات الوقت صحيح، بيصير في حالات خاصة ونشاز بطرق المراقبة متل ما تفضلّت هاني، بس ما بعتقد بدّها هالقد إشارات

    تحياتي
    مشتقلك

    إعجاب

    1. فانا، عمر، سمارة.. بتشكركم يا جماعة 🙂

      هيوس،
      صديقي، مشتاقين جداً بالدرجة الاولى. تاني شي، وينك مختفي؟
      بخصوص اللي عم قلتو، بقدر افهم انو بعض المطارح ممنوع تصويرها. ولكن اللي عم يصير ببيروت مختلف كتير يا صديقي. خصوصاً انو منع التصوير نابع من إظهار سلطة على المكان، وما الها علاقة بالمسائل الامنية البحت. أصلاً، الاشيا الممنوع تصويرها بالكاميرا الفوتوغرافية، عم يتم تصويرها بالكاميرا الفيديو بشكل طبيعي وعادي..
      إضافة انو اللي بدو يتجسس ما رح يحمل كاميرا فوتوغرافية واضحة ويقعد يصوّر بشكل ظاهر وعلني.. ما هيك صديقي؟

      خلينا نشوفك هيوس

      إعجاب

أضف تعليق