عندمـا تنسـاب الموسيقـى فـي شراييـن المدينـة وروادهـا


في الجميزة

هاني نعيم

واشتعلت بيروت. وامتدّت الموسيقى في شرايين المدينة، وروّادها الذين خرجوا بالآلاف إلى الشوارع، عند الثامنة ليلاً، ليحتفلوا، على طريقتهم، بعيد الموسيقى.
هي فرصة للرقص. للاستمتاع. للجنون. للحريّة. للانفلات من روتين «القرف» اليومي. للهروب من السياسة.. ولو لليلة واحدة فقط.
ليل بيروت، الأحد الماضي، تحوّل إلى فضاء إنساني لكل الناس. الهويّات، بكل اختلافاتها، كانت حاضرة، على الأرصفة، والشوارع، وفي الحانات، وعلى أدرجة الأحياء. لا أحد يشعر بالتهميش، أو بالاستثناء. الجميع هنا متساوون. الكل له الحق بالاستمتاع بالموسيقى، والرقص كما يشتهي.

الموسيقى بكل ألوانها حضرت في زوايا بيروت وأحيائها: شارع الحمراء، وفي وسط المدينة توزّعت الموسيقى ما بين الحمامات الرومانيّة، حديقة سمير قصير، ساحة الشهداء، والـDome (السينما القديمة)، وأيضاً على درج الفن في حيّ الجميزة.

***

في الوسط، قرب الحمامات الرومانيّة، تجمهر الناس على الدرج، وحول المنصّة. حاصروها كعطاشى وجدوا واحة في وسط الصحراء. بانتظار فرقة «بايات» والمؤدّية يمنى حلاب، التي غنّت جوليا، وعبد الوهاب، وأغاني أخرى من التراث المشرقي، ليليها فنانون فرنسيون، وفرقة روك وأخرى لموسيقى الجاز.
الطريق كان طويلا، ما بين الحمامات الرومانيّة وحديقة سمير قصير، رغم أنها لا تتجاوز 200 متر. فالأرصفة والطرقات مزدحمة، خصوصاً أن عشّاق الموسيقى كانوا يتنقلون دائما بين أمكنة الاحتفالات.
في ساحة النجمة، تداخلت أجراس الكنيسة مع أصوات الغيتار لشابين وقفا في الساحة، محتفلين بالموسيقى على طريقتهم «الأنرشيّة». كما أن أحد المحلات، قرب حديقة سمير قصير، احتفل على طريقته «الكلاسيكيّة»: عازف ساكسوفون، والدارمز، يعزفون الحانا فيروزيّة خفيفة، ما أدى لتجمهر العشرات على الجهة المقابلة للمحل.
أما حديقة سمير قصير فاحتضنت الراب الفلسطيني والعراقي. كل منهما حمل معاناته وهواجسه. إضافة لحفلات أخرى ضمّت فرقتين لعبتا الروك. الجمهور وقف على الرصيف أمام حوض المياه. وكان العابرون إلى ساحة الشهداء، يقفون أمام الحديقة، يسترقون السمع لأغنية، ليصلوا بعدها إلى ساحتهم.
أما المشهد الأكثر إثارة، فكان ترافق القيثارة والكمنجات للراب العراقي. الآلات الأكثر قدماً، مع أحدث الأنواع الموسيقيّة. يسأل أحدهم «ما الذي يجري هنا؟» ليستدرك: «إنها بيروت!».
على بعُد عشرة أمتار من الحديقة، كانت فرقة الراب اللبنانية «خط أحمر» تغالط أفلاطون، لتؤكّد أن «بيروت هي جنّة الباطون». نبذوا الجدار في بيروت، ورفضوا الحرب والانقسام، ليعلنوا: «أنا النعجة السودا، جيت شعّل الثورة».
جمهور ساحة الشهداء استمتع بالراب اللبناني مع فرق أخرى أيضاً. وتراوحت أعمار معظمهم بين 13 و22 سنة. ورغم أن نوع الموسيقى كان شبابيّاً بامتياز، إلا أن ذلك لم يمنع من وجود امرأة ستينيّة وقفت وسط الشباب، تبتسم، وتصفّق، وكأنها تهمس في ذاتها: «الراب لي أيضاً».
وعلى مقربة من ساحة الشهداء، في داخل سينما الـDome، الموسيقى الالكترونية هي الحدث. محبّو الإلكترو كان لهم فرصة الاستمتاع بموسيقاهم، دون أن يزعجهم أحد، حيث رقصوا حتى ساعات الفجر الأولى. وإلى جانبهم، ناشطون وناشطات من حركة السلام الدائم، إحدى منظمات المجتمع المدني، يختتمون «الأسبوع العالمي للحد من انتشار الأسلحة الخفيفة»، ويوزّعون مناشير صغيرة كتب عليها «الأسلحة الفرديّة تقتل شخصاً كل دقيقة».

OkyDoky & Ivoice
OkyDoky & Ivoice -By M. Minkara

بين درج الفن في الجميزة ووسط المدينة، سلسلة بشريّة وصلت شطري المدينة. هو الجمهور المتنقّل بين الاحتفالات. العشرات يعبرون الشارع دفعة واحدة. يسرعون للوصول إلى الدرج الممتلئ أصلاً منذ الثامنة مساء. «فدائي سأحيا فدائي»، غنّت فرقة «IVoice” الفلسطينيّة. وارتفعت الهتافات بين الشباب. إضافة لأغنية أخرى، ضمّت تحيّة «إلى مخيم نهر البارد»، ما استدعى عناصر الجيش اللبناني، وفي مشهد سريالي لمساءلة الفرقة عن الأغنية.. وكأن شاكر العبسي يختبئ بين الألحان!
فرقة الروك اللبنانية «مين» حلّت بعد الراب. فرقة ألهبت «الروكيين» بأغانيها المختلفة، قبل أن تختم بنشيد البندورة، الذي يعرفه أغلب الجمهور. أما الختام فكان مع «okyDoky” (الشاب فيصل بيبي) الذي لعب الموسيقى الالكترونيّة، وغنّت معه فرقة Ivoice.
عند الثانية بعد منتصف الليل، بدأ الجمهور المنتشي بالموسيقى العودة من حيث أتى. ليستفيق في اليوم التالي، منتظراً عيد الموسيقى في العام المقبل.
***

تنتشر في القارة الأوروبيّة المهرجانات الشعبيّة الكبرى، مثل مهرجان البيرة في ألمانيا، وهو يجمع مئات الآلاف من مواطني ألمانيا ليحتفلوا بالبيرة. كما أن هذا المهرجان بدأ يأخذ طابعاً عالميّاً مع مشاركة الكثير من محبّي البيرة في العالم فيه، ونقلهم التجربة إلى بلادهم، حيث أصبح هذا المهرجان يحتفل به في العديد من دول العالم.
ومن جهّة أخرى، تطمح الدول النامية، المتعددة الأصول الدينيّة والإثنيّة والعرقيّة، والتي تحاول بناء هويّة ثقافيّة – وطنيّة جامعة إلى إقامة أعياد ومناسبات تجذب اهتمام كل الشرائح الاجتماعية – الثقافيّة – العرقيّة، ما يساعد على دمجها، وتقريبها من بعضها البعض، ولردم التفاوت بكل أشكاله في ما بينها، ما يعزز بنية المجتمع ويحافظ على تنوّعه واستقراره.
***
عند انتهاء الاحتفال، سأل أحد المشاركين صديقه «لماذا مناسبات كهذه غائبة عن روزنامة الأعياد الوطنية؟». سؤال ضاع في ضجيج العائدين إلى بيوتهم!

الأربعاء 24 حزيران 2009

جريدة السفير

الكاتب: Hanibaael

Writer. Content Creator & Fire Performer

أضف تعليق