حركة التدوين اللبناني: من المزاجيّة إلى “المأسسة”


نحو المأسسة
نحو المأسسة

هاني نعيم*

شكّلت الشبكة العنكبوتيّة (الانترنت) فضاءً للحريّة في العالم العربي. ففي ظل منع تأسيس الأحزاب والمنظمات السياسيّة، وقمع الحريّات العامة، لجأ الشباب العربي إلى التدوين كنافذة بديلة، بعيدة عن عيون “الأخ الأكبر”، ومتمرّدة عليه. ورغم ذلك، لا يختفي خبر “اعتقال مدوّن عربي” عن مجموع الأخبار اليوميّة التي اعتاد عليها الانسان القابع ما بين المحيط والخليج.

تطوّرت حركة التدوين العربي، وكوّنت تجربتها. واستطاعت أن تلقي الضوء على قضايا الفئات المهمّشة في المجتمعات العربية: العمال، المرأة، الشباب، المثليين.. وغيرها.

اليوم، تنتشر الجمعيات والمنظّمات والهيئات التي تجمع المدونين في العديد من الدول العربيّة. شكّلت هذه المنظمات معبراً للعمل في الشأن العام، يقوم من خلالها الشباب بالتعبير عن قضاياهم ومناصرتها، من الدفاع عن الحريّات العامة، والمطالبة بها، إلى السعي لتغيير الواقع الاجتماعي- الثقافي والسياسي في بلادهم، مروراً بالكشف عن فساد الأنظمة القائمة. وقد يعتبر اللقاءان اللذان قام بهما المدونون العرب، في العامين الماضيين في بيروت، إحدى مراحل تطور حركة التدوين العربي، رغم بقاء هذه اللقاءات ضمن إطار التعارف دون أن تؤسس لمشروع تدويني يجمع “مقلقي راحة الأنظمة”.

في خضم حركة التدوين العربي الناشطة، يكاد يغيب لبنان عن الواجهة. ساهمت العديد من العوامل بعدم خلق “مجتمع تدوين” حقيقي في لبنان، منها نسبة “الحريّة” التي تسمح للشباب بالانخراط في العمل المدني-السياسي، عبر الانتساب للأحزاب وتأسيسها، والقيام بمبادرات مدنيّة، والحق بالتظاهر والتعبير عن الرأي، رغم محاولات النظام اللبناني القيام بفرض نوع من الرقابة “الغبيّة” على المسرح، والسينما وغيرها من الأعمال الإبداعيّة.

الأحداث: محرّك التدوين اللبناني

بقيت حركة التدوين في لبنان رهينة الأحداث السياسيّة الكبرى التي تعصف بالبلاد والمنطقة، ولكن مع هدوء “العاصفة”، يهجر المدوّن اللبناني مدوّنته إلى يوميّاته وروتينه. هذا ما جرى في العام 2005، بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وما تبعه من انقسام البلاد إلى معسكرين سياسيين، برز التدوين للمرّة الأولى كحالة جماعيّة لبنانيّة. تحوّل المدوّنون إلى نسخة تشبه لحد بعيد الحوارات السياسية التي ملأت محطات التلفزيون. ولم يستطع المدونون خلق قضيّتهم المتمايزة عن الجو السياسي التقليدي السائد في البلاد.

بعد عدّة أشهر، بدأ الحراك السياسي في الساحات والشوارع بالخفوت، ما أدى إلى تراجع حركة التدوين اللبناني. ويمكن ببحث صغير على غوغل الوصول إلى مدوّنات توقّف أصحابها عن تحديثها منذ حزيران 2005.

ولكن في حرب تموز 2006، عاد التدوين اللبناني إلى الواجهة. تحوّل الفضاء التدويني إلى ساحة حرب أخرى، عمل من خلالها الناشطون، المناضلون، والمدونّون إلى توثيق وفضح الجرائم الإسرائيليّة، وتعريف الرأي العام الغربي على حقيقة ما يجري على أرض الواقع. ولكن مع انتهاء الحرب، وعودة النازحين إلى بيوتهم، توقّفت المدوّنات عن التحديث في آواخر شهر آب.

في 2007، لم تترافق حركة التدوين مع عمليّة تدمير مخيم نهر البارد، ولكنّ بعد انتهاء الأعمال العسكرية قامت عدد من المبادرات المدنيّة بإنشاء مدوّنات خاصة بإعادة إعمار المخيم.

في أيار 2008، لم تأخذ أحداث العنف الطائفي المسلّح في البلاد مساحتها الكافية في التدوين، بل انتقلت معارك الشارع إلى صفحات شبكة الفايسبوك واليوتيوب حيث استخدم الشباب لغّة تحريض طائفيّة وعنفيّة.

ثم عاد التدوين إلى “سُباته”. ليستيقظ أثناء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة في 2009. حينها، برز عدد من المدوّنات المتابعة للأحداث في غزة، والمحرّضة على أعمال الشغب ضد سفارات الدول المتواطئة مع العدوان الاسرائيلي، مثل مدوّنة “راديكال بيروت” التي استطاعت بأيام معدودة أثناء الحرب أن تجذب الآلاف من الزوّار يوميّاً.

التدوين اللبناني نحو “المأسسة”

يدخل التدوين اللبناني هذا العام في مرحلة مفصليّة وجديدة. فقد بدأ عدد من المدونين، منذ شهر ونصف، بسلسلة لقاءات تحضيراً لتأسيس إطارهم: “رابطة المدونين اللبنانين- Lebloggers”.

يعترف عماد بزّي، ناشط ومدوّن منذ عام 1999، بأن الرابطة ستساهم “بنشر ثقافة التدوين التي تأخرت لتنطلق في لبنان”. أما عن أهداف الرابطة، فيشرح بزّي بأنها “ستعمل على صقل مهارات المدونين وتسليط الضوء على الإنتهاكات والمشاكل اليومية التي يعاني منها أي مواطن لبناني”.

يتّفق المدوّنون على أن الرابطة ستشكّل “مساحة لقاء وتعارف وتبادل خبرات بين المدونين” الذين “كانوا منذ فترة قصيرة لا يعرفون بوجود بعضهم البعض”، على حد تعبير طوني صغبيني، الكاتب والمدوّن منذ عام 2007.

أما عن القضايا التي ستثيرها الرابطة فهي “كل القضايا المسكوت عنها في الإعلام التقليدي أو التي تعالج بسطحيّة” كما يقول صغبيني. ومن جهّته يضيف بزي بأن “التدوين يوثّق حالة الشارع اللبناني الشعبية والمزاج العام بأسلوب بسيط وواقعي، ومن المواضيع التي ستطرح الطائفية المستشرسة والفساد والفقر والبطالة وغيرها”. وبدورها تقول الباحثة والمدوّنة باميلا شرابيّة التي بدأت التدوين عن المعاناة اليومية في حرب تموز 2006، أن  مواضيع “كالذاكرة الجماعيّة والحرب وعلاقة الدين بالسياسة والمشاكل الإنسانيّة لن تغيب عن قضايا الرابطة”.

ولا يرى صغبيني بأن مسؤولية الرابطة محصورة بلبنان فقط، إذ أن “الحريّة التي يتمتّع بها المدوّنين اللبنانيين تضع على عاتقعهم الدفاع عن الحريّة في لبنان والعالم العربي ككل”. ويضيف “معركة المدوّنين من المغرب إلى لبنان مروراً بمصر ودول الخليج هي معركة واحدة، وعلى المدوّنين اللبنانيين أن يدركوا ذلك ويوقفوا الغنج ويبدأوا العمل”.

*صحافي، ومدوّن (عضو مؤسس في رابطة المدونين اللبنانيين).

نشر في مجلة حبر

شباط 2010

الكاتب: Hanibaael

Writer. Content Creator & Fire Performer

7 رأي حول “حركة التدوين اللبناني: من المزاجيّة إلى “المأسسة””

  1. لماذا تأسيس رابطة للمدونين؟ أو مؤسسة؟ التدوين حالة شخصية وتحويلها الى حالة مؤسساتية غير مفهوم ! عموما نحنا بسوريا هربانين من المؤسسات أو أننا لم نصل حتى الآن الى الحالة الشخصية ربما أنتو بلينان تخطيتوها نتيجة الفوضى والتخبيط السياسي اللي عندكم واللي نتج عنو من دون قصد حالة شخصية اجبارية.

    إعجاب

    1. تحياتي كنعان الفينيق،
      اتّفق معك بأن التدوين هو حالة شخصية. ولكن التدوين تحوّل، خصوصاً في عالمنا العربي المظلم، إلى شكل من أشكال التغيير والضغط ضد الانظمة القائمة. هو عصب للتغيير، وتحوّله نحو المأسسة يزيد من زخمه وقوّته..
      تشكّل المجموعات التدوينية لا يعني ذوبان شخصية المدوّن. فهي تبقى تجمّع يدافع عن الحريات العامة، إضافة للدفاع عن المدونين أنفسهم.

      اتمنى ان تكون الفكرة قد وصلت!

      دم متسكّعاً عزيزاً

      تحياتي

      إعجاب

  2. ابو الهنا اعتقد انو هالخطوة تنجح في لبنان لكن قد لا تتحقق بباقي البلدان التي لا تعترف بالاساس بالماسسة
    حتى انو طرح الموضوع مؤخرا بالمدونات السورية عن مجتمع التدوين

    إعجاب

اترك رداً على kenan phoenix إلغاء الرد